الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الإعلام وترامب.. "قصة حب مجوسية"

 
جمال المحافظ
 
العلاقة بين الإعلام الأمريكي ودونالد ترامب، تكاد تكون على منوال "قصة حب مجوسية" إحدى الروايات الأولى للأديب السعودي الكبير عبد الرحمان منيف، صاحب خماسية "مدن الملح"...
 
"إن الإعلام عدو الأمة"، كانت هذه من بين العبارات الأولى، التي استخدمها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دولاند ترامب، منذ الإعلان عن فوزه بالانتخابات الرئاسية سنة 2016 إلى حين فشله في انتخابات الإعادة التي جرت خلال الأسبوع الماضي، وأسفرت عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.
 
وإذا كان ساكن البيت الأبيض المنتهية ولايته، قد شن حربا متواصلة وبلا هوادة على وسائل الإعلام على مدى الأربع سنوات الماضية خلال اضطلاعه بمهام الرئاسة، فإن الإعلام، كان أول من أعلن عن فوز منافسه الديمقراطي جون بايدن، وهو ما دأبت على القيام به وسائل الإعلام المكتوبة والقنوات التلفزية ووكالات الأنباء قبل الإعلان الرسمي عن نتائج السباق نحو البيت الأبيض، وهي المعطيات التي لم يسبق أن كذبها الواقع في معظم الاستحقاقات الرئاسية الأمريكية.
 
بيد أن هذه الانتخابات، أفرزت عدة أسئلة حول مسار الحياة السياسية، أهمها تكريس الانقسام داخل المجتمع الأمريكي الذي بلغ أوجه خلال الفترة الممتدة ما بين 2016- 2021، إبان ولاية ترامب الذي طالما كرر بأن اليسار يبسط سيطرته على وسائل الإعلام الأمريكية، التي سارعت إلى الإعلان بأن جو بايدن تمكن من الحصول على الأصوات الضرورية للفوز بالرئاسة على حساب دونالد ترمب.
 
وأوضحت وكالة أنباء "أسوشيتد برس"، في هذا الصدد، أن المرشح الديمقراطى حصد 290 صوتا بالمجمع الانتخابي من أصل 538 صوتا، مقابل 214 لفائدة المرشح الجمهوري في الوقت الذى يحتاج المرشح فقط إلى 270 صوتا من أصوات كبار الناخبين في المجمع الانتخابي.
 
وإذا كانت العلاقات بين الإعلام ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، عادة ما توصف بـ"الجيدة"، إلا أن هذه العلاقة لم تكن بنفس القدر مع ترامب حيث تميزت بالصراع الدائم منذ الإعلان عن ترشحه للتنافس على الرئاسة باسم الحزب الجمهوري، واستمر ذلك إلى حين فشله في تجديد ولايته رئيسا للولايات المتحدة في اقتراع الثالث من نونبر 2020.
 
وكانت وسائل الإعلام قد وصفت في سنة 2016 فوز ترامب، المستثمر في قطاع العقارات، بالرئاسة على حساب المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، بأنها تشكل أكبر مفاجأة في التاريخ السياسي الأمريكي في الوقت الذى كان حتى أكثر المتفائلين من الحزب الجمهوري، يتوقع فوزه بالرئاسة على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي هيلارى كلينتون التي كانت قد فازت بأغلبية أصوات الناخبين، الا أنها فشلت في الحصول على ما يكفى من أصوات الناخبين الكبار بالمجلس الانتخابي التى حملت مرشح حزب "الفيل" الجمهوري إلى البيت الأبيض الذى يعد رمز السلطة بالبلاد.
 
وعقب نشر صحيفة "واشنطن بوست" تصريحات منسوبة لترامب سابقا اعتبرت بأنها مسيئة للمرأة، وصف ترامب وسائل الإعلام بأنها "عدوة الأمة" الأمريكية، مدشنا بذلك حملة شعواء ضد وسائل الإعلام التي كثيرا ما اعتبرها لسان "اليسار".
 
كما هاجم المتحدث باسم البيت الأبيض، بقوة وسائل الإعلام وخاصة شبكة "سي إن ان"، عندما قارنت هذه الأخيرة بين مستوى الحضور سنة 2013 في حفل تنصيب أوباما وسنة 2017 في حفل ترامب الذى اتهم في لقاء صحفي الإعلام بممارسة "التضليل وافتقاد النزاهة"، بعد نشر أخبار تزعم وقوع اتصالات بين عناصر من حملته الانتخابية ومسؤولين من روسيا. وقال إنها أخبار "وهمية، لكن الإعلام روج لها".
 
وزادت أزمة كورونا التي تضرب الولايات المتحدة بقوة، من توسيع فجوة الخلاف بين الرئيس المنتهية ولايته ووسائل الإعلام بعد اتهام ترامب وإدارته بالتقصير والعجز عن التصدي لجائحة كوفيد 19 المستجد الذى تجاوز عدد الإصابات المؤكدة به تسعة ملايين، في حين بلغ عدد الوفيات أزيد من 230 ألفا، وفقا للبيانات الصادرة عن جامعة جون هوبكينز الأمريكية، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تتصدر بلدان العالم بوفيات تبلغ 1000 فرد يوميا...
 
وكانت وسائل الإعلام، قد استهانت سنة 2016 بقرار ترامب الترشح للرئاسة. بيد أنه تمكن من دحض مقولة أنه لا يمكن لأي مرشح لأي منصب سياسي أن يفوز دون مساندة ودعم الإعلام الذي حافظ غالبية رؤساء الولايات المتحدة السابقين على علاقات جيدة معه.
واستمر الصراع بين سلطة الرئاسة والسلطة الرابعة مستعرا، إذ كانت الصحافة ألد أعداء ترامب، الذى لا يفوت أي فرصة سانحة لمهاجمة الصحافين والإعلام الذي كثيرا ما يصفه بـ"الكاذب" ويعتبره "حزب المعارضة الحقيقي" بالولايات المتحدة.
 
وتكرست العلاقة المتشنجة بين الرئيس المنتهية ولايته، بعدما رفض الأخير سنة 2017، حضور حفل مراسلي البيت الأبيض الذى يعد تقليدا يتم خلاله استضافة الرئيس، مراسلي وسائل الإعلام المعتمدين بالبيت الأبيض. واعتبر بذلك ترامب أول رئيس منتخب يقاطع هذا الحفل مع هذه الفئة من الصحافيين. وعلى الرغم من معاداة ترامب لوسائل الإعلام التقليدية (الصحافة المكتوبة والتلفزيون)، فإنه اهتدى إلى استخدام وسائط الاتصال الجديد بكثافة خاصة منها "توتير" الذي مكّنه من التفاعل مع الرأي العام المحلى والدولي والتواصل معه، لتسويق مواقفه وآرائه، بخصوص مختلف القضايا على الساحتين الداخلية والخارجية.
 
وجرت العادة بالولايات المتحدة، بأن توقعات وسائل الإعلام بخصوص نتائج الانتخابات الأمريكية دائما تكون صائبة، وهو ما جرى أيضا خلال الانتخابات الرئاسية الحالية التي مكنت جو بايدن أن يصبح الرئيس 46 للولايات المتحدة. وكان الكتاب الذى أصدره سنة 2019 مراسل شبكة "سي. إن. إن" لدى البيت الأبيض جيم أكوستا بعنوان "عدو الشعب.. وقت خطير لقول الحقيقة في الولايات المتحدة"، قد زاد من تأجيج الصراع بين الإعلام وترامب، الذى قال في تغريدة حديثة نهار يوم الاثنين الماضي على تويتر "منذ متى كانت تعلن وسائل الإعلام المغرضة عن رئيسنا".
 
وحول منسوب الثقة في وسائل الإعلام بالولايات المتحدة، أفاد استطلاع أجراه "غالوب" سنة 2016، أن 72 في المائة من الديمقراطيين عبروا عن ثقتهم في الإعلام في ما يتعلق بـ"نشر الأخبار بشكل كامل وبدقة ونزاهة"، في حين كانت ثقة الجمهوريين أقل بكثير بنسبة 14 في المائة، في الوقت الذى بلغت ثقة الأمريكيين نسبة 41 في المائة، وذلك على الرغم من أن هناك من تحدث بمناسبة الانتخابات الرئاسية عن "تراجع مضطرد في نسبة الثقة" في وسائل الإعلام الأمريكية.
 
وإن كان البعض يرى أيضا، أن الصحافة الأمريكية، تمر بمرحلة عصيبة استنادا لاستطلاعات للرأي، مع فقدان الاحترام للصحافيين، إلا أن عدم رضى الجمهور هذا، لا يرتبط بقدرات الصحافيين المهنية، بل عن تدنى التقيد بأخلاقيات المهنة من جهة ومستوى الوعي بأهمية دور الإعلاميين في المجتمع من جهة أخرى.
 
وعلى الرغم من أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في حماية الديمقراطية، ومحاسبة المسؤولين ونشر الاخبار وتعميم المعلومات والبحث عن الحقيقة، فإن الصحافة عندما تتخلى عن مهنيتها واستقلاليتها، تفقد مصداقيتها، وبالتالي قدرتها على التأثير في الرأي العام.
 
كاتب وإعلامي مغربي