الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
صورة لغلاف الكتاب وأخرى للمؤلف المحجوب بنموسى وهو موشح بوسام ملكي من العاهلة الهولندية

جديد "دار التوحيدي".. مذكرات "سفر المنفى.. رحلة من الحلم إلى الوهم" للمحجوب بنموسى

 
لا تكفّ "دار التوحيدي"، بقيادة الكاتب والفاعل المدني أحمد حميد المرادي، عن مفاجأتنا، كل سنة، بعدد مهم من المنشورات الجميلة، في زمن عزّ فيه نشر الكتاب، الذي تحوّل إلى مجرد سلعة للمتاجرة، ما يعني أن حساب الربح والخسارة يتّجه بالكتاب في المغرب إلى درك سحيق... إنه قدر "دار التوحيدي"، أن تتحصّن ضد التفاهة، وتتصدى للرداءة، وتقاوم "الحلول السهلة" وتلك "الخيارات" إياها، لتينع وتتجمّل وتتهادى وتتباهى، كل مرة، بإطلالات تلك الكتب، التي نعشق أن نتصفحها، ونلتهم صفحاتها، ونتأبطها بنوع من الخيلاء والرضوان...
 
من بين هذه المنشورات الجميلة، نجد كتاب "سفر المنفى.. رحلة من الحلم إلى الوهم"، وهو عبارة عن مذكرات للمناضل السياسي والناشط المدني والفنان المسرحي والسينمائي المحجوب بنموسى، الذي يُعتبر أول لاجئ مغربي في هولندا، بعد تمكّنه من مغادرة المغرب، في بداية سبعينيات القرن الماضي، بعد اشتداد حملات الاعتقالات والملاحقات في صفوف مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وضمنهم الذين ارتبطوا بحركة "الاختيار الثوري"...
 
الكتاب يفتح نوافذ مشرعة على مساحات ظلت فارغة في تاريخ مسارات الزمن الرصاصي في المغرب، هذه "الفائدة العمومية"، بالنسبة للقارئ والمتلقي، هي مسألة مؤكدة، في اعتقاد أحد أصدقاء المؤلف، وهو مسعود بوعيش، أحد الوجوه الاتحادية، التي لها بصماتها المشهودة، في الحركة الطلابية وفي تطورات المشهد الحقوقي المغربي، إذ هنّأ "الأخ والصديق المحجوب على إصداره الجديد، الذي يزدان بجانب الإصدارات السابقة، التي أنجزها الصديق المحجوب خلال العقدين الماضيين"، ليؤكد، بكل اطمئنان إلى ما ستقدمه المذكرات من إضافات، أن "عنوان الكتاب والعنوان الفرعي يوحيان لي أن هذا الكتاب، كتاب المناضل المحجوب بن موسى، كتاب المنفى، سيحمل لنا، دون شك، جزءًا غير مشاع من الوقائع والأحداث من الذاكرة المشتركة لـ(أهل الكتاب الكبير)، حاملي الأسفار، الذين كتبوا ووثّقوا أو الذين رحلوا بحلمهم لـ(يمدّوا كتبهم هناك باليمين أو الشِمال)"...
 
وتابع بوعيش يقول: "مقتنعون أن أسلوب ولغة السرد والحكي في الحفريات سيمنح للقارئ عموما متعة القراءة، وقد يمنح للقارئ المعني بمعرفة تفاصيل الرحلة من الماضي إلى الحاضر معطياتٍ حول السياق والأنساق لثلة من (حاملي الأسفار) من الحلم إلى الوهم، فمنهم من قضى، ومنهم من عاش على الأحلام القابلة للتحقق، ومنهم من حمل سِفره إلى محراب عبدة (الشجرة الهلامية)"...

تجدر الإشارة، يضيف بوعيش، إلى أن أغلب المناضلين والمناضلات المغاربة، الذين عاشوا الاغتراب الاضطراري بفتراته المختلفة المتتالية، ابتداء من السبعينيات إلى منتصف التسعينيات، يعرفون المحجوب ومساهماته في فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي عاشتها بلادنا في الحقبة التي وصفت بسنوات الجمر والرصاص... لكن مذكرات المناضل المحجوب، حسب ما حكى لي قبل النشر، تحمل في طياتها صفحات من التاريخ المعاصر لبلدنا، وخاصة تاريخ الكفاحات من أجل القضايا والأحلام الكبرى، وبالتالي حقبة ما بعد 11 يناير 1975، تاريخ انعقاد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية... كما تضم المذكرات جوانب من الأحداث، التي عاشها المحجوب وشارك في صنعها مع كوكبة من المناضلين زمن الأحلام الكبرى...
 
ويتابع بوعيش موضحا أن: مسار المحجوب يتميز بتعدد وتنوع مجالات العمل والفعل الهادفين وسط المجتمع المدني في الديار الهولندية في زمن كان من الصعوبة الولوج إلى وسائل الإعلام السمعية والبصرية العمومية... وبصم بمساهماته الشعرية والمسرحية والفنية والإعلامية مسار الجيل الأول والجيل الثاني والثالث من الهجرات من منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في اتجاه الشمال، وبصمت تلك المساهمات حياةَ المحجوب، ومنحته قدرة على الإبداع والإيناع...
 
الرائع والجميل عند الصديق المحجوب، يقول بوعيش، مثابرته ومواظبته في ما ينقش من لوحات... تشعر عند مجالسة المحجوب أنه يعمل لدنياه وكأنه سيعيش مدى الحياة.. وإذا كان علي أن أمنح صفة لمسار المحجوب وصموده وقدراته على التفاؤل والتشبث بالحق في الحياة الكريمة، فلم أعثر على أبلغ ما تحمله من معاني الحياة كلمة أمازيغية مغربية: ثودّارث إشنان (Thoudarth iknan)، الحياة...
وخلص مسعود بوعيش إلى القول بلسان الكثيرين: "نتطلع بشوق إلى قراءة كتاب الأخ والصديق المحجوب بنموسى... سأكون سعيدا بحضور حفل توقيع الكتاب (سِفر المنفى) برواق (دار التوحيدي للنشر) أيام المعرض الدولي للكتاب، الذي تحتضنه مدينة الرباط، ابتداء من فاتح شهر يونيو/حزيران 2023"...
 
يضم الكتاب 254 صفحة من القطع المتوسط، وللأهمية، ندرج النصّ التأطيري، المأخوذ من مقدمة المؤلف، والذي ازدانت به الصفحة الأخيرة من الغلاف، يقول فيه المحجوب بنموسى:
 
 
"التقيت مرة المناضل المرحوم إدريس بنزكري، فقال لي وأكد ألاَّ أنسى تقديم ملفي عن لجوئي السياسي واعتقالاتي بالمغرب لأنال تعويضا ماديا عن تلك الفترة.

قلت لهذا المناضل وبصدق: أنا لم أناضل ولم أدخل السجن من أجل التعويضات، ولم أعش المنافي، سنينًا طويلة، طلباً لتعويضات كيف ما كانت. بل أنا لست ضد التعويض عن الضرر المادي والمعنوي لمن طلبها وهو في حاجة ماسة إليها...، ولكنني لست محتاجا لهذه التعويضات، وأن كل نضالي كان من أجل رُقِيّ بلدي، وبناء دولة الحق والقانون، وبناء دولة ديمقراطية، دولة مؤسسات...

عدت من المغرب وأنا مرتاح ومطمئن البال. ولكنني، رغم كل شيء، ما زلت غير مرتاح مائة في المائة. فالأمور لا تسير كما كنت أتوقع في البلاد، ما زالت غير مستقرة سياسيا، وهناك عقبات وعراقيل في كل مرحلة من مراحل تطورها.

قلت مع نفسي إنه من الصعب الانتقال من "نظام  الإقطاع والتحكم"، بكل عاداته وتقاليده وهياكله، إلى "دولة الحق القانون"، دون عراقيل، فنحن متأخرون عن دولة الحق والقانون والدولة الديمقراطية بسنين عديدة، وهذا التطور يتطلب أجيالا وأجيالا.

عدت إلى هولندا وأنا في غاية السعادة، فأسرتي الصغيرة متعودة على الحياة في هذا البلد، وأولادي ولدوا في هذا البلد، كبروا وترعرعوا ودرسوا، وكوّنوا مستقبلهم بهذا البلد، ولا يستطيعون التأقلم مع بلدهم المغرب.

إنني مرتاح في بلدي الثاني هولندا، لأنني قضيت بها أكثر من أربعين سنة، وعشت بها أحلى أيام عمري، وهو عمر طويل حوالي 43 سنة من الإقامة والعمل والنضال"...
 
المحجوب بنموسى أمام منزله في مدينة روتردام الهولندية
من اليمين: شيخ العرب وأحمد المالكي (صهر بنموسى) وسعيد بونعيلات