الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

المنشق محمد حفيظ.. ماكينة التضليل الإعلامي

 
زهير دادي
 
 
استضاف موقع "بديل"، الذي يديره الصحافي حميد المهداوي، مساء يوم الخميس 22 يوليوز 2021، محمد حفيظ أحد متزعمي الحركة الانشقاقية ونائب زعيم "حلقة الوفاء للديمقراطية"، وذلك بعد أن استضاف الموقع قبل أسبوع من ذلك الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد الرفيقة نبيلة منيب...
 
وإذا كان بعض المتتبعين للشأن السياسي الوطني يعرفون محمد حفيظ، فإن باقي المواطنين لا يعرفونه في المقابل. وهذا ما يطرح إشكالية تتعلق بطبيعة الضيوف الذين سيتكلفون بالدفاع عن الرأي والرأي المضاد المتعلق بفكرة سياسية، ذلك أن فئات واسعة من المواطنات والمواطنين المغاربة يعرفون نبيلة منيب، ولم يسمعوا قط عن نائبها المنشق من الحزب في الهزع الأخير من الزمن السياسي...
 
نبيلة منيب شخصية سياسية ذات حضور إعلامي مكثف ومتابعات تصل إلى الملايين في أحيان كثيرة، مقابل شخصية سياسية متوارية معروفة بموقف يتيم إبان أواخر التسعينيات من القرن، وهو الموقف الذي يوظفه في كل حين ومرة، دون أن يحافظ عنه بتطوير أدائه السياسي داخل الحزب الاشتراكي الموحد بصفته نائب الأمينة العامة.
 
لقد تحدث محمد حفيظ في البرنامج عن وجود مذكرة داخلية وقعتها الأمينة العامة باسم المكتب السياسي وأنه تم تعميمها على جميع الفروع، وأنها لم تقبل بنتائجها في آخر المطاف، لأن تفعيلها من قبل الفروع، حسب حفيظ دائما، جعل بعض المناضلين يحظون بثقة الرفيقات والرفاق على مستوى اللجن المكلفة بالإعداد للانتخابات المقبلة، وهم المناضلون الذين كانوا يعبّرون صراحة عن معارضتهم للأمينة العامة، ويزعم محمد حفيظ أن هذا ما لم يرق لها، فعمدت إلى تجاوز التعميم...
 
وللأسف، فهذا التعميم الذي أشاد به حفيظ في البرنامج، هو التعميم نفسه الذي نفاه في وقت سابق كما نفاه زميله في حلقة الوفاء للديمقراطية كمال السعيدي داخل اجتماع رسمي للهيئة التنفيذية للفيدرالية، وهو الذي أثار وقتها لغطا كبيرا من قبلهم. فمن نصدق إذن؟ هل سنصدق حفيظ الذي أقر في الحوار بوجود التعميم؟ أم سنصدق حفيظ الذي نفى التعميم قبل أسابيع من الآن؟
 
وبالنسبة لقرار سحب الترشيح المشترك باسم الفيدرالية والدخول باسم الحزب الاشتراكي الموحد، فمحمد حفيظ يقر، بما لا يدع مجالا للشك، بأن المسألة تعود للمؤتمر الوطني، أو على الأقل إلى المجلس الوطني بصفته أعلى هيئة تقريرية بين المؤتمرين. ثم يعود ليعيب على منيب استفرادها بالقرار وعدم إشراك المكتب السياسي في ذلك. وهذا تناقض صارخ يسقط فيه محمد حفيظ، حيث يتراوح موقفه القانوني بين ادعاء أن المسألة تهم المجلس الوطني وتارة يقر بشكل غير مباشر أن الأمر يعود إلى المكتب السياسي. لنذهب مع الرفيق محمد حفيظ إلى آخر التحليل وإلى عمق الفكرة: ماذا لو تداولت الرفيقة نبيلة منيب مع حفيظ وباقي أعضاء المكتب السياسي مسألة سحب الترشيح المشترك في اجتماع رسمي للمكتب السياسي؟ طبعا كان سيسكت عن المسألة لأنه شارك في بلورة القرار. لكن الحقيقة شيء آخر. إن قرار سحب الترشيح المشترك هو قرار اتخذه المكتب السياسي بالأغلبية الساحقة. وبما أن حفيظ يمثل الأقلية بمعية حلقته داخل المكتب السياسي، فقد نفى أن يكون الأمر قد تم تداوله داخل المكتب السياسي، لأنه لم يستطع أن يحسم القرار الأخير للحزب القاضي بسحب الترشيح المشترك لصالح توجهه الحلقي. فهل يعني الأمر أن محمد حفيظ يكذب؟. نعم إنه يفعل ذلك دائما في إطار الدفاع عن وضعه الاعتباري داخل الحزب الاشتراكي الموحد.
 
وفي الإجابة عن التشهير، فقد برر محمد حفيظ، بل ودافع بشكل فج ووقح عن حملة التشهير والسب والقذف التي تعرضت لها نبيلة منيب من قبل بعض الأعضاء الذين وقعوا معه مشروع أرضية اليسار الوحدوي، وهو تبرير لا يمكن أن تجد له أي مسوغ أخلاقي وقانوني من قبل نائب الأمينة العامة، الذي كان بإمكانه أن يذكر ببعض المواد من القانون الداخلي المتشددة بشأن الهجومات التي تمس المناضلات والمناضلين، خاصة تلك الهجومات الحاطة بالمرأة والتي تستهدفها على أساس النوع، غير أنه اعتبر المسألة مجرد ردود فعل من قبل أعضاء من الحزب شهَّرت بهم الأمينة العامة، قبل أن يستعملوا القاموس نفسه ضدها. والحال أن التشهير بالأمينة العامة قد كان وما يزال ممنهجا من قبل بعض المنخرطين، قبل أن تتولى بعض القيادات المتزعمة للحركة الانشقاقية المهمة، مستعملة القاموس نفسه الذي ينهل من الحقد والضغينة والدونية التي يحس بها هؤلاء.
 
إن محمد حفيظ، وبصفته أستاذا للسانيات، وهو الذي يستعمل هاته الصفة من أجل تحليل الخطاب وتفكيك شيفرات اللغة، سرعان ما تخونه هذه الأستاذية عندما يتعلق الأمر باللغة القدحية التي تُستعمل ضد نبيلة منيب، لأنه يعرف تمام المعرفة الجهة التي تقف وراء هذا الهجوم الداخلي.
 
لقد تحدث محمد حفيظ كثيرا، دون أن يجيب عن الأسئلة الجوهرية التي لطالما انتظرناها من أجل قطع الشك باليقين، ألا وهو المرجعية الإيديولوجية والأفق السياسي وماهية التنظيم، وهي الأشياء الأساسية التي يمكن أن يختلف بشأنها داخل الحزب الاشتراكي الموحد فيطرح بدائل لها في ما يسمى بالحزب الاشتراكي الكبير الذي ينشده، غير أنه لم يفعل، ولن يفعل، لأنه لا يملك مشروعا بديلا حقا، بل إن كل همه هو تدمير المشترك لأسباب نفسية صرفة وأخرى ستكشف عنها الأيام القادمة لا محالة.
 
إن الشيء الذي لم يستطع أن يبوح به محمد حفيظ، وهو الشيء الذي يؤلمه نفسيا حد الوجع هو التفوق التواصلي الذي أبانت عنه نبيلة منيب وهي على رأس الحزب الاشتراكي الموحد، في حين أنه لم تسعفه لا تجربته الإعلامية في جريدة النشرة والصحيفة والحياة الجديدة (وهي التجارب التي أنهكها بأخطائه التي آلت بها إلى الانحدار فالاندحار) بصفته صحافيا، ولا تجربته في الجامعة بصفته أستاذا للسانيات والتي لم تُسعفه على تشكيل اللغة ولا على توليد الدلالة ولا على فهم البنية... في حين أن نبيلة منيب وإن لم تخض تجربة الصحافة من ذي قبل، ولم تأتِ من تخصص جامعي تستطيع أن توظفه في العملية التواصلية، بحكم توجهها العلمي، فإنها استطاعت أن تحجب محمد حفيظ وأن تتفوق عليه، وهو الذي لم يستطع حتى تأسيس القطاع الإعلامي للحزب الذي أُسندت إليه مهمته.
 
إن التحليل السيميائي لصورة محمد حفيظ وهو يحاول الإجابة عن أسئلة حميد المهداوي تبين حجم التعرق الذي وصل إليه في آخر البرنامج، بعد مضي مائة دقيقة وهو يلهث من أجل الإقناع ولا يستطيع إلى ذلك سبيلا. إن هذا التعرق المبالغ فيه، ينم عن حجم الارتباك الذي انتاب الرجل، وكذا وعيه الداخلي العميق أنه لم يستطع أن يقنع أحدًا على مدار زمن البرنامج.
 
_________________________
عضو الحزب الاشتراكي الموحد فاس