الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

هكذا جرت صناعة إبراهيم غالي.. مغربي من الرحامنة باع روحه للجزائر فأصبح على رأس البوليساريو

 
 

حسن عين الحياة
 
 
 
مباشرة عقب طرد الجيش المغربي لعناصر ميليشيات البوليساريو، التي كانت مرابطة في الخيام أمام بوابة معبر الكركارات، وعقب محاولة عناصر مسلحة من البوليساريو على منطقة المحبس، وكان الرد حازما حين عمدت مدفعية وصواريخ الجيش المغربي إلى تدمير كل آليات البوليساريو بما فيها المدفعية تدميرا كاملا، خرج إبراهيم غالي، الأمين العام لجبهة البوليساريو، برسالة بعثها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وكذا إلى الرئيسة الدورية لمجلس الأمن، يحتج فيها على تدخل القوات المغربية بمعبر الكركرات، ويزعم أن "الهجوم المغربي استهدف مدنيين صحراويين عزلا كانوا يتظاهرون سلميا في منطقة الكركرات"، ثم يعود ليدعي أن المغرب خرق وقف إطلاق النار وأن البوليساريو ستدخل الحرب...
واليوم يعيش في مستشفى إسباني بين الحياة والموت، بيان رسمي لميليشيات البوليساريو الانفصالية الإرهابية يقول إنه يُستشفى من إصابته بفيروس كورونا، في حين يتداول كثير من صحراويي تندوف على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات تفيد أنه مصاب بجروح بليغة جراء الضربة الجوية التي وجهتها طائرة مغربية دون طيار لقافلة عسكرية لعصابات البوليساريو كانت بصدد الاقتراب من الجدار العازل، في منطقة كديم الشحم، فجر يوم الأربعاء 7 أبريل 2021. وأصيب مرافقه المكلف بالاتصالات اللاسلكية في رئاسة البوليساريو (موندي) بجروح بليغة، وقُتل قائد الدرك الداه البندير، وجرح آخرون...
آجيوا نتعرفوا على هاذ إبراهيم غالي، الذي قال ليك عْلن الحرب على المغرب ودارها ليه المغرب قد فمو ورسل لو ضربة "درون" موجهة بدقة وبقوة...
 
بعد وفاة المغربي عبد العزيز المراكشي، زعيم البوليساريو، في أواخر ماي 2016، سارعت الجزائر إلى تعويضه بآخر، يشتغل من داخل عقيدتها العسكرية، التي تجعل المغرب، الجار الغربي، في مقام العدو الأول.
 
بدا كل شيء مرتبا له سلفا، بنفس التخطيط والأسلوب القديمين، اللذين ظلت تعتمدهما الجزائر في كل ما يرتبط بسياستها الداخلية، المُسوَّرة بأسلاك كهربائية عالية التوتر. إذ لا شيء يمكن أن يخرج من قبضتها المحكمة، حتى وإن تعلق الأمر بتركيب مصباح في مخيمات تندوف...
 
ولأنها تراهن، وفق عقيدتها العسكرية، على جبهة البوليساريو لزعزعة استقرار المغرب والمنطقة برمتها، فقد كان لابد لها من ضبط كل كبيرة وصغيرة تجري في تندوف، خاصة بعد رحيل تلميذها المراكشي إلى دار البقاء... لذلك، فإن اختيار إبراهيم غالي على رأس "الجمهورية الوهمية"، لم يخرج عن دائرة التكهنات التي أطلقها بعض الذين عندهم علم من خفايا المطبخ السياسي في الجزائر. ذلك أن غالي كان مرشحا فوق العادة ضمن قياديي التنظيم، وقد اختير بعناية مركزة، ليس بعد وفاة عبد العزيز المراكشي فحسب، وإنما مباشرة بعد اكتشاف قصر المرادية أن زعيم الجبهة يعاني من مرض عضال في 2012.. ساعتها، شرعت الجزائر في ممارسة تلك اللعبة التي تجيدها جيدا، وهي غربلة الأسماء ودحر أخرى، واعتماد شرط التجربة العسكرية، كي تعبد الطريق لتلميذها الثاني في صف الانفصال، إبراهيم غالي، حتى ينفذ استراتيجيتها في المنطقة، باعتباره أكثر قادة الجبهة استيعابا لفلسفتها وخططها الرامية إلى تضييق الخناق على المغرب في صحرائه.
 
اليوم، يقف إبراهيم غالي على رأس الجبهة الانفصالية، ليس كزعيم بمفهوم الزعامات التي نعرفها عند الحركات التحررية التي عرفتها عدد من البلدان في العالم. ذلك أن جبهة البوليساريو، وفق تصنيف الخبراء في الشأن العسكري والاستراتيجي، بناء على ما آلت إليه أحوالها، ليست سوى مليشيا مسلحة، تتاجر في البشر والتهريب ومقايضة آلام سكان مضطهدين بحجم المساعدات التي تقدمها عدد من الدول المناحة.. وبالتالي، فإن غالي اليوم يوجد على رأس الجبهة، ليس كزعيم لجمهورية وهمية، بقدر ما يمثل ظل قصر المرادية، أو بالأحرى المؤسسة العسكرية الجزائرية، في تندوف..
 
وهكذا، فإن الذي حصل، في مسألة استخلاف المراكشي، ليس سوى مجرد تبادل للأدوار في لعبة الكراسي. فبدل أن يظل إبراهيم غالي سفيرا للبوليساريو في العاصمة الجزائر، أصبح سفيرا للجزائر في "العاصمة" الرابوني، يحمل هذه المرة صفة "الزعيم". وهذا يعني شيئا واحدا، هو أن تندوف وما تضمه من مخيمات، تعتبر مقاطعة جزائرية أخرى، تمول بالدينار الجزائري المستخلص من عائداتها البتروغازية، وتتحرك بـ"التيليكموند" من مكتب شديد الحساسية في قصر المرادية بالعاصمة الجزائر، وتُسيرَّ وفق سياسته واستراتيجية عسكرييه، مع تفصيل بسيط، هو أن الجزائر تحاول أن تبني شعبا من المحتجزين، والمجنسيين من دول إفريقية، وترفض في الوقت نفسه إحصاءهم حتى لا يكتشف الرأي العام الدولي، أن هذا "الشعب" ليس سوى بضعة آلاف من الصحراويين، أغلبهم محتجزون، فيما الباقي وهم الأكثرية مجرد مستوردين من دول الجوار.
 
لذلك، يمكن اعتبار إبراهيم غالي، زعيما لـ"جمهورية تندوف" الخاضعة للنفوذ الجزائري، أما الصحراء المغربية التي تضم ملايين الصحراويين الأحرار في اختياراتهم وتنقلهم، فلها زعماؤها من أبناء الدار، يسيرونها بطريقة ديمقراطية، بعدما أفرزتهم صناديق الاقتراع في أكثر من محطة انتخابية، قبل أن يعطي هؤلاء الصحراويون درسا قاسيا للجزائر من خلال نسبة مشاركتهم في مختلف الانتخابات المغربية، التي اعتبرت المشاركة الأعلى مقارنة مع باقي جهات المملكة.
 
عندما تم "انتخاب" إبراهيم غالي، وفق ترتيب جزائري دقيق، حصل على نسبة 93 في المائة من أصوات مؤتمري الجبهة الانفصالية، وهي نسبة لا تحصل إلى في الأنظمة الدكتاتورية. ويبدو حسب عدد من الخبراء، أن الجزائر سارعت، وقتها (يونيو 2016) إلى ترتيب هذا المؤتمر، قبل أربعينية المراكشي، حتى يقوم إبراهيم غالي بالدور الذي اختير من أجله، وهو تدشين خطوته الأولى في الجبهة، بإنتاج خطابات موجهة للمنتظم الدولي، لذلك، فإن أول كلمة قالها غالي بعد تنصيبه أمينا عاما للجبهة، هي مطالبته مجلس الأمن بأن يمارس ضغطا على النظام المغربي حتى يعيد بعثة "المينورسو" كاملة، لتمارس صلاحياتها بكامل مكوناتها... وهذا وفق تحليل هؤلاء الخبراء، يعتبر نوعا من الإحماء لإعادة لفت أنظار المنتظم الدولي للجبهة من جهة، ولتصريف أزمتها وتوتراتها الداخلية إلى الخارج من جهة ثانية. واليوم، وتحديدا منذ 21 أكتوبر 2020، عادت البوليساريو إلى عادتها القديمة، وأخذت في عرقلة عمل المراقبين العسكريين للمينورسو، بعد خنق معبر الكركارات، وأيضا عرقلة تنقل البضائع والأشخاص، مما حدا بالقوات المسلحة الملكية التدخل، بقدر وافر من المسؤولية وضبط النفس، لتأمين تدفق السلع والأفراد عبر المنطقة العازلة للكركرات، التي تربط المغرب بموريتانيا.
 
الذين رافقوا إبراهيم غالي عند تأسيس الجبهة على يد الوالي مصطفى السيد سنة 1973، يقولون إن خليفة المراكشي، مغربي أبا عن جد، إذ ولد سنة 1949 بمنطقة الرحامنة، قبل أن تغادرها أسرته وهو مجرد طفل رضيع، لتضع رحالها بمدينة السمارة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، والآن، يقول هؤلاء، ما تزال لعائلة غالي زاوية في منطقة الرحامنة يقال لها "زاوية الفقراء".. فيما يؤكد آخرون، أن الاسم الحقيقي لإبراهيم غالي، هو غالي ولد سيدي مصطفى، من مواليد مدينة السمارة، ركيبي الأصل، ينتمي إلى أسرة يقال لها ولاد الطالب بالسمارة.
 
أحد الذين رافقوه في بداياته الأولى، رسم لنا بروفايلا مختصرا لزعيم البوليساريو، حيث قال، كانت انطلاقة إبراهيم غالي معنا لتأسيس البوليساريو سنة 1973 بالزويرات في موريتانيا، لكن قبل ذلك، كان غالي جنديا في الجيش الإسباني برتبة "كابرال"، كما كان مترجما للحاكم الإسباني بمدينة السمارة، لكن سرعان ما بدأ اسمه في البروز أكثر.. فقد شارك في النضال السياسي الذي كان يقوده محمد بصيري الذي كان قد أسس حزبا في الصحراء سمته إسبانيا آنذاك بالحزب المسلم.
 
ويضيف رفيقه القديم، "لما التحقنا بالزيورات في موريتانيا، وكنا 26 عضوا، وأسسنا البوليساريو يوم 28 أبريل 1973، تم اختيار إبراهيم غالي أمينا عاما، وكان أول أمين عالم للبوليساريو لما له من مواصفات تؤهله للمنصب آنذاك، ضمنها انتماؤه للأراضي التي توجد وقتها تحت سيطرة إسبانيا".
 
رجل آخر من الرعيل القديم، يضيف بدوره لمسات إلى بروفايل غالي، معتبرا أن رئيس الجمهورية الوهمية، أشبه بفاوست الذي باع روحه للشيطان، بعدما باع ولاءه للجزائر، ليصبح واحدا من أهم العناصر التي تنفذ إستراتيجيتها في المنطقة.
 
بعد مهمته كأول أمين العام بجبهة البوليساريو، ترك غالي بأمر من الجزائر المنصب لعبد العزيز المراكشي الذي جيء به من آخر الصف، فشغل منصب وزير الدفاع للبوليساريو الذي قضى فيه مدة طويلة، قبل أن يتم بعثه كممثل للبوليساريو في مدريد، وبعدها تم تعيينه سفيرا للجبهة في الجزائر.. هناك، يقول الذين يعرفونه جيدا، قضى مدة طويلة بالعاصمة، قريبا من قصر المرادية، كانت بمثابة "سطاج" لتهييئه لمرحلة ما بعد عبد العزيز المراكشي، وإن كان الرجل، يجر خلفه ماضياً أسودَ من نهب المساعدات واغتصاب نساء بتندوف وبإسبانيا، وجرائم أخرى، إلى حد أن إسبانيا تتابعه قضائيا في ملفات اغتيال وتعذيب وقتل تصل الى مستوى جرائم ضد الإنسانية، وهي الملفات التي ما تزال بعض المنظمات الحقوقية تطالب، على ضوء هذه الانتهاكات، باعتقاله، وتقديمه للمحاكمة.