الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

جريمة مقتل عدنان وجدل الإعدام.. آجيو تعرفوا شكون هوما المطالبين بيه وشكون المناهضين ليه

 
أحمد نشاطي
 
 
أثارت جريمة خطف واغتصاب وقتل الطفل عدنان في طنجة الكثير من السخط والغضب، وهذا طبيعي جدا بالنظر لبشاعة الجريمة الوحشية، التي تنتمي إلى "الهمجية"، وتتطلب تشديد العقوبات ضد مرتكبها، والتفكير في إجراءات أخرى من شأنها الانكباب على الأسباب والعوامل المجتمعية، التي تعيد إنتاج مثل هذه الجرائم البشعة...
 
فالتهييج الجاري سينتهي، عمره قصير جدا قد لا يتعدى أسبوعا واحدا، ابتدأ الهجيج ليلة الجمعة الماضية، 11 سبتمبر 2020، وغالبا سيكون انتهى يوم الجمعة المقبل، 18 سبتمبر 2020، مثلما انتهى هجيج الجرائم الفظيعة السابقة...
 
المفروض من أهل الاختصاص أن يستثمروا هذه الفرصة ليجعلوا من ملف حماية الأطفال من مثل هذه الجرائم أولوية الأولويات، برؤى شمولية، تتضمن المقاربات التربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والقانونية من أجل حماية الطفل من المخاطر المحدقة به، في الشارع وفي المدرسة وداخل الأسرة وفي الفضاءات الإلكترونية...
 
في خضم ردود الفعل حول جريمة قتل الطفل عدنان كان هناك تهييج شعبي في طنجة، أعقبته محاولات فاشلة لنقل التهييج إلى مدن أخرى ولوحظ وجود أشخاص مندسين يوجهون الحشودات الشعبية لرفع مطلب الإعدام
 
وبالعودة إلى قضية الطفل عدنان، وفي خضم ردود الفعل حول هذه الجريمة النكراء، كان هناك تهييج شعبي في طنجة، أعقبته محاولات فاشلة لنقل التهييج إلى مدن أخرى، ولوحظ أن هناك أشخاصا لا يُعرف الجهة، التي ينتمون إليها أو التي تستخدمهم، كانوا يتحركون وسط الحشودات الشعبية، وكانوا يوجهونها نحو رفع شعار الإعدام، ويمكن العودة إلى كل الفيديوهات، التي انتشرت بغزارة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليلاحظ المرء بسهولة هؤلاء المندسين الذين يوجهون الهجيج نحو رفع مطلب الإعدام، بدءا من مظاهرة الأطفال "الموجّهة"، التي يسهل فيها رصد المندسين، إلى مظاهرة النساء، وصولا إلى الإدلاء بتصريحات لبعض وسائل الإعلام، إذ يسهل ملاحظة أنه كلما تردد مطلب الإعدام، كلما لوحظ وجود أولئك المندسين، الذين كانوا يزيدون في التهييج...
 
وانطلقت تصريحات "مريضة"، متخلفة، ترفع مطالب "فوق-آدمية"، من مطالب بتسليم المتهم بالجريمة الوحشية لينفذ فيه الجمهور الإعدام، إلى مطالب بالإخصاء، ومطالب أخرى منها الاغتصاب حتى الموت، ومنها إحضاره إلى ساحة عمومية، ووضع قضيب حديدي في مؤخرته وتركه حتى الموت، ومنها ربطه عاريا وسط ساحة، وكل يوم يُقطع طرف من لحم جسده، إلى أن يموت...
 
لن نساير المزاج الشعبي، ولن نقف عند التهييج لغياب معطيات ملموسة، خصوصا بالنسبة للمندسين، من يكونون، ومن يحركهم... لذلك نقف عند النشطاء، بدءا من نشطاء الشبكة العنكبوتية، إلى نشطاء الهيئات المدنية، وهؤلاء فيهم المؤطرون، وفيهم المؤثرون، وفيهم من يسمون أنفسهم صناع المحتوى، وفيهم جامعيون وسياسيون ونقابيون وحقوقيون وإعلاميون... فماذا سنلاحظ؟
 
رفع مطالب "فوق-آدمية"، من مطالب بتسليم المتهم بالجريمة الوحشية لينفذ فيه الجمهور الإعدام، إلى مطالب أخرى بالإخصاء، وبالاغتصاب حتى الموت، وبربطه عاريا وسط ساحة عمومية وكل يوم يُقطع طرف من جسده إلى أن يموت
 
سنلاحظ فئتين:
 
الفئة الأولى، التي تدافع عن إلغاء عقوبة الإعدام، وتضم مفكرين ومثقفين وإعلاميين وحقوقيين وجمهور واسع من المناضلين السياسيين والنقابيين والفاعلين المدنيين وحداثيين، وأبرز ملاحظة على أفكارهم وطروحاتهم أنهم منسجمون، ويتوزعون ما بين منتجي فكر، وما بين مدافعين عن فكر، عن منظومة فكرية تستند إلى القيم السامية للحقوق المواطنية والإنسانية في أبعادها الكونية والحضارية، يواجهون بجرأة وشجاعة انحطاط الفئة الثانية، إذ يواجَهون باتهامات بئيسة ومهزوزة ومصطنعة، تحاول أن تسند لهم تهمة الدفاع عن المجرمين، سرعان ما يظهر بطلانها، مثلما سرعان ما يظهرون هم كفاعلين منسجمين مع أنفسهم، ومع مبادئهم، ومع القيم المثلى، التي يحملونها، لا يعيشون ازدواجية في شخصياتهم، بحكم إيمانهم العميق بمنظومة حقوق الإنسان، وهي، كما يعلم كل الحقوقيين الكبار والحقيقيين، منظومة متكاملة، لا يمكن أن نأخذ منها ما نشاء، ونرمي ما نشاء، منظومة حقوق الإنسان "ماشي بّاناشي"، نخلطوها بما نريد، "شوية من هنا وشوية من لهيه"، ونُبعد منها ما لا نريد، منظومة حقوق الإنسان غير قابلة للتجزيء، "خوذها أو خلليها"، وغير قابلة للخصوصية، فقيمها كونية، هي نفسها لدى الأمريكي أو الفرنسي أو الإسباني أو المغربي أو الجزائري أو التونسي أو الرواندي أو الجنوب إفريقي، لسبب بسيط، أن مبادئها السامية تشكل أرقى وأبدع ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية، التي تتطور وتمضي قدما، ولا تتأخر أو تعود القهقرى، ولذلك يجب أن ترقى على القوانين الوطنية...
 
الفئة الثانية، تتشكل من خليط من المجموعات لا رابط بينها إلا ترداد مطلب الإعدام.. ويمكن اختزال هؤلاء في ثلاث مجموعات أساسية:
 
المجموعة الأولى:
 
هم الظلاميون، سدنة النكوصية والتخلف والرجعية الدينية، وتتأطر في هذه المجموعة كل التيارات الدينية الإسلاموية دون استثناء، من السلفية إلى الإخوانية، وصولا إلى الشيعية، وهؤلاء واضحون جدا في منطلقاتهم وأهدافهم، بحكم المرجعية الواحدة، التي تؤلف بينهم، وهي الشريعة الإسلامية، التي ينتمي جزء مهم منها إلى مبادئ وحشية، لا إنسانية، همجية، بعضها تخلّوا عنه إلا باستثناءات معدودة، مثل قطع الأيادي والأطراف والرجم والصلب، والبعض الآخر مازال متواصلا، مبنيا على مختلف أشكال التمييز، من التمييز الجنسي، فالرجل أرقى من المرأة، وصولا إلى التمييز الديني، فالمسلم وحده هو الإنسان خليفة الله على الأرض ووحده المؤهل للجنة، وما تبقى من العقائد الأخرى، بمن فيهم أصحاب الكتاب، من يهود ونصارى، هم قردة وخنازير وحمير تحمل أسفارا، يدعون عليهم ليل نهار، بتشتيت شملهم وترميل نسائهم وتيتيم أطفالهم وتدميرهم وإذلالهم والانتقام منهم، وأخْذهم أخذ عزيز مقتدر، كلهم من الكفار والمشركين واليهود، حتى لا يبقى أحد منهم في الوجود، بعد أن يفنيهم الله كما أفنى عاد وثمود...
 
منظومة حقوق الإنسان "ماشي بّاناشي"، نخلطوها بما نريد، "شوية من هنا وشوية من لهيه"، ونُبعد منها ما لا نريد، وهي غير قابلة للتجزيء، وغير قابلة للخصوصية، فهي أسبق من القوانين الوطنية، وقيمها كونية، تشكل أرقى ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية
 
هؤلاء، لا يمكن أن ينزاحوا عن الشريعة الإسلامية، وبالتبعية، لا يمكن أن يفرّطوا في حكم الإعدام، الذي قضت به شريعة الإسلام، التي فصّلت في كيفية قتل البشر، من الذبح إلى ضرب الرقاب... هؤلاء واضحون جدا في مرجعيتهم التي لا تقبل عن الإعدام بديلا...
 
المجموعة الثانية:
 
إذا كانت المجموعة الأولى عبارة عن أصحاب فكر استئصالي، فإن المجموعة الثانية تضم "مأموري" فكر، أي منفذي الأوامر والتوجيهات من الذين يستعملونهم، هم مجرد بيادق يحركهم الأسياد، وفي هذه المجموعة هناك مثقفون وكتاب وفنانون وجامعيون وباحثون وإعلاميون، تتعدد الجهات، التي تستعملهم، بيد أن الجهة الغالبة تتمثل في تيار موجود في الدولة، تيار انتهازي مصلحي مستعد لأي شيء دفاعا عن مصالحه الضيقة، قد يرفع اليوم شعار المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وفي الوقت نفسه يتشابك مصلحيا مع لوبيات الفساد والمفسدين، وغدا قد يرمي الشعار إياه في المزبلة، من أجل تعاقدات مشبوهة ولو مع أعدا أعداء المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، مرجعية هؤلاء في السياسة "الله ينصر من أصبح"، ومن أصبح اليوم، هم جماعة الإخوان المسلمين، المستأسدين بقطر وتركيا، وفي انتظار أن تدور عليهم الدائرة، تجدهم يضعون أيديهم في أيدي الظلاميين، ويبحثون معهم عن تسويات في الظلام، ومن هذه التسويات، ارتباطا مع موضوعنا، عرقلة طريق المغرب، الذي كان، قبل مقدم البيجيدي إلى الحكومة، أقرب بلد "إسلامي" إلى الانضمام إلى الدول التي وقّعت على اتفاقية إلغاء عقوبة الإعدام، عن طريق تحريك أطرها وجنودها من مثقفين وفنانين ومدوّنين وإعلاميين للمساهمة في التهييج، وجعل المجتمع الغاضب، وكل مجتمع غاضب منفعل يكون سهل الانقياد، يلهج بمطلب الإعدام، وتصويب سهام التهجمات الحقيرة على المدافعين عن إلغاء عقوبة الإعدام، إلى حد تصويرهم أنهم مدافعون عن المتهم بجريمة الاغتصاب والقتل، وأنهم ديوثيون، ومنحرفون، وسفَلَة، بل ويحرضون الهجيج على أن يتوجهوا إليهم بتهديدات القتل، في محاولة لإرهابهم وثنيهم عن موقفهم مثلما فعلوا، بكثير من البؤس والانحطاط، مع الكاتب والناشط الأمازيغي أحمد عصيد...
 
هناك جهة تتحرك عن طريق توجيه أطرها من مثقفين وفنانين ومدوّنين وإعلاميين للتحريض والتهييج والهجوم على المدافعين عن إلغاء عقوبة الإعدام إلى حد تصويرهم أنهم مدافعون عن المجرمين، وأنهم ديوثيون، ومنحرفون، وسفَلَة
 
المجموعة الثالثة:
 
تضم، بدورها، جامعيين وباحثين وإعلاميين وفنانين وفاعلين مدنيين مستقلين نوعا ما، مقتنعين بفكرة الإعدام، وليسوا موجّهين من جهة ما، لخدمة أجندة ما، وضمن هؤلاء فاعلون مؤثرون، منهم من يرفعون شعارات متقدمة، وتقدمية، يتصدون أحيانا للفساد والإفساد، بل ويتصدون أحيانا حتى للأفكار الظلامية والتوجهات النكوصية لقوى الإسلام السياسي، ولجماعات الإسلام الدعوي، بعضهم هامشيون، وبعضهم يتصدرون ساحات النقاش العمومي، بأفكار سريعة، وأطروحاتهم غالبا تكون على السريع، وهم في العموم محترمون، ولديهم تقدير من جمهور واسع...
 
هؤلاء الفاعلون المدنيون يتوزعون على ثلاث فئات:
 
فئة مؤهلة للانتقال، عاجلا أم آجلا، إلى جانب المدافعين عن إلغاء عقوبة الإعدام، بحكم انفتاحهم على كل الآراء، بما في ذلك الآراء المخالفة، وبحكم تحررهم من أي عقدة للإعلان عن مراجعة موقفهم عندما تحصل لديهم القناعة بالفكرة المخالفة..
وفئة مترددة، ستبقى مترددة، وهي فئة مهزوزة ولا يُعتمد عليها، حتى ولو انتقلت إلى الضفة الأخرى، ستبقى بلا فائدة، لأن قناعاتها، في الأصل، هشة...
 
والفئة الثالثة لا يمكن أن تنتقل إلى الضفة الأخرى للمدافعين عن إلغاء عقوبة الإعدام، حتى ولو كانت تحمل أفكارا تقدمية، لأن الفكر النكوصي، متأصل فيهم، بحكم استيلابهم بتربية وثقافة مبنية على الشريعة الإسلامية المتخلفة، إذ بمجرد ما إن تطرح أمامه أفكارا تخالف معتقداته الدينية، حتى ينتفض، وتذهب قشرته التقدمية المهزوزة، ويعود إلى طبيعته المتجذرة فيه، وهؤلاء أغلبهم يعيشون ازدواجية في الشخصية، قد تراه مع زوجته يرطن بالمساواة بين الجنسين في التجمعات، وما إن يعود مع زوجته إلى البيت، حتى يضع رجلا على رجل كأيها السي السيد، ويأمر زوجته بتحضير الأكل أو قضاء شغل في المطبخ أو الصالة أو غرفة النوم، هي "اللي تطبخ وتسيّق وتجفّف وتوجّد الفراش"...
 
في الجزء الثاني، سنركز على محورين متداخلين: من جهة، مرجعية إلغاء عقوبة الإعدام، ومن جهة ثانية، كيف ابتعد المغرب عن الانضمام إلى لائحة الدول، التي ألغت من تشريعاتها عقوبة الإعدام...