الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الثروة العالمية في 2022.. 1.1% من السكان البالغين يحتكرون حوالي 46% من الثروة!

 
د. عبد السلام الصديقي
 
تبلغ الثروة العالمية، حسب تقديرات الطبعة الرابعة عشرة لـ"تقرير الثروة العالمية"، الذي أصدره البنك السويسري وUBS، نحو 454400 مليار دولار في نهاية سنة 2022، بتراجع طفيف مقارنة بسنة 2021، التي بلغت فيها ذروتها بقيمة 465.700 مليار دولار. كما انخفضت الثروة لكل شخص بالغ بمقدار 3198 دولارًا (-3.6%) لتصل إلى 84718 دولارًا في نهاية سنة 2022. ويعزى جزء كبير من هذا الانخفاض إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل العديد من العملات الأخرى. إذ لو ظلت أسعار الصرف ثابتة عند معدلات سنة 2021، لكان إجمالي الثروة قد زاد بنسبة 3.4%، والثروة لكل شخص بالغ بنسبة 2.2% في سنة 2022.
 
وتركزت خسارة الثروة العالمية بشكل كبير في أمريكا الشمالية وأوروبا، اللتين خسرتا معًا 10900 مليار دولار. كما سجلت الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ خسائر بلغ مجموعها 3500 مليار دولار، لكن هذه الخسائر عوّضتها جزئيا مكاسب طفيفة في الهند وإفريقيا.
 
وبالموازاة مع الانخفاض في إجمالي الثروة، انخفض أيضًا عدم المساواة الإجمالية في الثروة في سنة 2022، مع انخفاض حصة ثروة أغنى 1% في العالم إلى 44.5%. حيث انخفض عدد مليونيرات الدولار الأمريكي في جميع أنحاء العالم بمقدار 3.5 ملايين في سنة 2022، ليبلغ عددهم 59.4 مليون شخص، قبل الأخذ بعين الاعتبار 4.4 ملايين (مليونيرات التضخم) الذين لن يعودوا مؤهلين إذا تم تعديل عتبة المليونير لمراعاة التضخم في سنة 2022. وفي المجمل، تضاعفت الثروة الوسيطة خمسة أضعاف خلال هذا القرن، بمعدل ضعف ثروة كل شخص بالغ تقريباً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى النمو السريع للثروة في الصين.
 
يعطينا هرم الثروة صورة مبسطة عن التراتبية الاجتماعية. ففي القاعدة، نجد فئة أصحاب الثروات المنخفضة، أقل من 10 آلاف دولار، والذين يقدر عددهم بنحو 2.8 مليار فرد، أي 53% من مجموع البالغين في العالم، حيث لا يملكون إلا 1.2% من كعكة العالم. وشهدت الفئة الموالية، التي تغطي أولئك الذين تتراوح ثرواتهم بين 10 آلاف و100 ألف دولار أمريكي، أكبر زيادة في هذا القرن، حيث تضاعف حجمها أكثر من ثلاثة أضعاف وارتفعت من 503 ملايين في سنة 2000 إلى 1.8 مليار في منتصف سنة 2022، أي أن 34.3% من السكان يملكون 13.6% من الثروة. ويعكس هذا الرخاء المتزايد في الاقتصادات الصاعدة، وخاصة الصين، وتوسع الطبقة المتوسطة في البلدان النامية. وتشكل هذه الطبقة الوسطى رافعة اقتصادية أساسية وهي أساس الدينامية التي تعيشها بعض البلدان الصاعدة.
 
كما تضاعف حجم الطبقة العليا، التي تتراوح ثرواتها من 100 ألف دولار إلى مليون دولار، ثلاث مرات هذا القرن، وانتقل عددها من 208 ملايين في سنة 2000 إلى 642 مليون شخص في سنة 2022. ويمتلك أعضاء هذه المجموعة حاليا أصولا صافية يبلغ مجموعها 178900 مليار دولار، أي 39.4% من الثروة العالمية، وأكثر من ثلاثة أضعاف من السكان البالغين (12%).
 
وفي قمة الهرم، نجد مجموعة المليونيرات والمليارديرات، وهي صغيرة العدد، حيث يبلغ عددها 59.4 مليون نسمة، أي 1.1% من مجموع البالغين، وكبيرة الثروة، إذ تمتلك 45.8% من الثروة. ومن الجدير بالذكر أن إجمالي الثروة التي تمتلكها هذه المجموعة من أصحاب الميليونيرات العالميين استمرت في الزيادة في السنوات الأخيرة. وقد تضاعفت بمقدار 5 مرات خلال الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى سنة 2022، لتنتقل من 41400 مليار دولار إلى 208300 مليار دولار، في حين تضاعف إجمالي الثروة بمقدار 3 مرات فقط خلال هذه الفترة.
 
ونميز ضمن هذه المجموعة بين مليونيرات المجموعة الفرعية من فاحشي الثراء التي يطلق عليها اختصارا UHNWI (الفرد من ذوي الثروات العالية جدا) والذين يقدر عددهم بـ243060 شخصا يمتلكون ثروة تزيد على 50 مليون دولار، و7020 شخصا لديهم أكثر من 500 مليون دولار. ويكشف التوزيع الإقليمي لهؤلاء الأثرياء عن هيمنة الولايات المتحدة بنسبة 51%، تليها الصين بنسبة 11%.
 
التقرير المتوفر باللغة الإنجليزية، مليء بالبيانات اللازمة للتحليلات المعمقة حسب البلد والمنطقة. لكن هذا الأمر لا يكاد يكون ممكنا بالنسبة لغالبية البلدان بسبب ندرة البيانات المتعلقة بالثروة، وهو ما تنبه مؤلفو التقرير إلى تسليط الضوء عليه. علاوة على ذلك، من المهم التذكير بعدد معين من الاعتبارات المنهجية التي حكمت إعداد هذا التقرير. وبالتالي فإن الثروة المعنية يتم تعريفها على أنها قيمة الأصول المالية بالإضافة إلى الأصول الحقيقية (العقار في الأساس) التي تمتلكها الأسر، مطروحاً منها ديونها. وهو ما يبعدنا عن الثروة الإجمالية كما تم تعريفها في التقرير المغربي حول الثروة. بالإضافة إلى ذلك، يتم الاحتفاظ فقط بالثروة التي يملكها البالغون، مع استثناء الثروة التي يملكها الأطفال والتي يمكن أن تكون كبيرة في بعض البلدان.
 
في كل الأحوال، ووفقا للتوقعات التي وضعها "تقرير الثروة العالمية"، فإن الثروة العالمية ستزداد بنسبة 38% على مدى السنوات الخمس المقبلة، لتصل إلى 629000 مليار دولار بحلول سنة 2027. والبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط مسؤولة عن 56% من النمو، علما أنها تمثل 31% فقط من النمو الحالي. وسيكون النمو في البلدان المتوسطة الدخل هو المحرك الرئيسي للاتجاهات العالمية. ومن المتوقع أيضًا أن يرتفع عدد المليونيرات بشكل كبير خلال السنوات الخمس المقبلة ليصل إلى 86 مليونًا، في حين سيصل عدد أصحاب الثروات العالية إلى 372 ألف شخص، والفرق الحاصل في هذا التطور بين الثروة التي تم إنشاؤها (38%) وعدد المليونيرات (45%) هو تفنيد لاذع لأولئك الذين ما زالوا يؤمنون بأسطورة نظرية التدفق إلى الأسفل (ruissellement).
__________________________
ترجمه إلى العربية الأستاذ عبد العزيز بودرة
__________________________
 
 
اقتصادي وأستاذ جامعي ووزير سابق