الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

كومينة: عن البريكس وجنوب أفريقيا والجزائر والمغرب والعبث

 
محمد نجيب كومينة
 
كنت في حيرة، منذ أن كشفت جنوب أفريقيا، المستقبلة لقمة البريكس القادمة، عن الدول الراغبة في الالتحاق بهذا التجمع العالمي الناشئ والهادف إلى خلق توازن مع مجموعة السبع الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
 
حيرتي جاءت نتيجة شعوري بأنه إذا كانت الحكومة المغربية قد تقدمت فعلا بطلب للالتحاق بهذا التجمع، الذي لا يشكّل، إلى الآن، منظمة دولية، وحتى اسمه المتداول اختارته له المؤسسة المالية الأمريكية غولدمان ساكس وليس مؤسسوه، فإنها قد قامت بخطوة غير محسوبة.
 
وبغض النظر عما إذا كان المغرب يستوفي الشروط المطلوبة للالتحاق بهذا التجمع أو لا يستوفيها، وهو، إلى الآن، لم يصل بعد إلى مصاف دولة صاعدة بكل موضوعية، فإنه لا يتبين أن للبلد مصلحة يجنيها من الاصطفاف ضد دول الغرب والالتحاق بهكذا تحالف، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو جيوسياسيا، بل إن مصلحته تتحقق في إبقائه على علاقات مفتوحة وجيدة مع الجميع، وفي اتخاذ مواقف لفائدة عالم بلا قطائع ولا تخندقات، ولفائدة الإبقاء على نظام دولي واحد وجامع، تؤطره هيئة الأمم المتحدة، لتجنب الانجرار إلى صراعات شبيهة بتلك التي ادت إلى نهاية فترة سلم طويلة، ونشوب الحرب العالمية الأولى في أوروبا، وبعدها تلك التي أدت إلى فشل عصبة الأمم ونشوب الحرب العالمية الثانية في أوروبا أيضا، خصوصا وأن العالم اليوم يعرف ترابطا وتشابكا للمصالح أكثر من أي وقت مضى، ويحتاج بالتأكيد إلى تقوية نظام دولي متعدد الأطراف ومراعاة التوازنات الناشئة بعد العولمة، وصعود قوى جديدة خارج الغرب، لضمان قيادة حكيمة للعالم تنحو نحو السلم والتعاون، وليس إلى النزاع والانقسام، اللذين نعرف درجة خطورتهما اليوم.
 
وأضيف إلى ما سبق، أن المغرب إذا كان يسعى، بشكل سيادي، إلى تنويع شراكاته وعلاقاته بهدف خدمة مصالحه الوطنية، وفي مقدمتها وحدته الترابية، ولجلب الاستثمار الدولي وتقوية إمكانيات خلق الثروة والتنمية، فإنه يبقى، إلى الآن، وفي الزمن المنظور، مرتبطا بالمنظومة الغربية اقتصاديا وأمنيا وجيوسياسيا، بل إنه يعتبر الوحيد، أفريقيا، ومنذ زمن بعيد، الذي تم إدماجه في المجموعة الأمنية الأطلسية (التي لا تطابق الحلف الأطلسي) La Communauté de Sécurité Atlantique، حسب الباحث والمنظّر كارل دويتش، وسيكون من باب الحمق السعي إلى مواقع مضادة.
 
لذلك، فإن التوضيحات الصادرة عن مصادر مأذونة بوزارة الخارجية والتعاون والجالية المقيمة بالخارج، والتي عمّمتها وكالة أنباء المغرب العربي الرسمية، تكتسي أهميتها من كونها تؤكد أن المغرب لا يعبث كما يعبث البعض عندما يتعلق الأمر بموقف دولي شديد الحساسية، إذ أكدت أن الحكومة المغربية لم تتقدم بأي طلب لأي جهة لنيل عضوية البريكس، ولم تكن تنوي الحضور بأي شكل من الأشكال في القمة المرتقبة بجنوب أفريقيا، الدولة التي لا تتردد في اتخاذ مواقف عدائية ضد المغرب، ولا تفوّت فرصة لتقديم خدماتها للنظام الجزائري وكراكيزه، والتي يبدو أنها، بإعلانها الكاذب عن طلب المغرب الالتحاق بالبريكس، ترغب في نصب فخ وإيجاد مخرج لعساكر الجزائر ودميتهم، الذين كانوا يراهنون على الالتحاق بهذا التجمّع، الذي يجمع دولًا ناجحة، لاستغلاله في دعايتهم الداخلية البئيسة، والتغطية على فشلهم الذريع في توفير أساسيات للمواطن الجزائري الغارق في الطوابير والحرمان، وأيضا للحصول على حماية إن أمكن لنظام متهالك يجيد السرقة وهدر أموال الشعب الجزائري في وقت تواجهه فيه مخاطر كثيرة، وطلب تبون للحماية الروسية بشكل غبي ومذل كان بمثابة فضح لشعور قائم لدى نظام مهزوز داخليا ودوليا.
 
لابدّ من الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري، بحديثه المجنون عن الخروج من الدولار والأورو، بينما تعتمد الجزائر كليا تقريبا على عائدات المحروقات، التي تتم معاملاتها بالدولار بشكل شبه كلي، قد أوحى أن تجمع البريكس يتجه نحو القطيعة مع الولايات المتحدة وأوروبا وعُمْلتيهما، وهو ما لا يمكن أن يخطر إلا على بال جاهل أو مجنون، لأن الأسواق الرئيسية لدول البريكس، خارج أسواقها الداخلية، هي الأسواق الأمريكية والأوروبية، وإلى هذه الأسواق تصدر فوائض تجارية واستثمارات ضخمة، جزء غير يسير منها يوظف في سندات الخزينة الأمريكية...
 
كما أن دول البريكس واعية بأن الروابط العالمية حاليا تتسم بتشابك المصالح وباستحالة حدوث قطائع، وما يبحث عنه تجمع البريكس هو نفسه ما بحثت عنه أوروبا، منذ تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تطورت وتوسعت لتصل إلى الاتحاد الأوروبي الحالي وإطلاق عملة موحدة، أي خلق نوع من التوازن مع الولايات المتحدة، مع مراعاة أن البريكس يستحيل أن يتحول إلى اتحاد شبيه بالاتحاد الأوروبي، ويستحيل أيضا أن يعتمد عملة موحدة بديلة للعملات الوطنية، أو أن يخرج من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، أو بنك التسويات العالمي BRI أو غيرها من المنظمات المالية والنقدية الدولية، أو أن يتحوّل إلى تحالف سياسي أو إيديولوجي ضد الغرب شبيه بالمنظومة الشرقية السوفياتية السابقة، لأن بين مكونات البريكس اختلافات كبرى وحتى صراعات، كما هو الشأن بالنسبة للصين والهند، ولذلك قلت، في البداية، إنه تجمّع هش، ولا شيء لحد الآن يرشحه للنجاح...
 
كاتب وإعلامي واقتصادي