الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

حالة شبيهة بالجنون تتملك أصحاب القرار بالجزائر

 
محمد نجيب كومينة
 
حالة شبيهة بالجنون تملكت أصحاب القرار بالجزائر. هذا أقل ما يمكن قوله بشأن حديث غير مسبوق في الخطاب السياسي الجزائري عن الحدود الأمنية الجزائرية، التي تتجاوز الحدود الجغرافية.
 
الدستور الجديد للجزائر، الذي نال أصوات 16% من أصوات الناخبين في الاستفتاء المنظم مؤخرا، كان مؤشرا على بداية الحماقات بإجازته تدخّل الجيش الجزائري خارج تراب البلد، لكن الحديث عن الحدود الأمنية المتجاوزة للحدود الجغرافية أكبر الحماقات، إذ يعني مثلا أن تونس وموريتانيا ومالي والمغرب والنيجر وليبيا حدودا أمنية للجزائر يحق لجيشها تجاوز سيادتها والتدخل فيها لحماية الأمن الوطني الجزائري.
 
من أين لحكام الجزائر بهذه العجرفة الإمبريالية، التي تتورط في حسابات جيوسياسية واستراتيجية خاطئة تماما. فالولايات المتحدة هي الوحيدة التي تعتبر حدودها الأمنية متجاوزة لحدودها الجغرافية، وتعتبر قوانينها قابلة للتطبيق خارج حدودها، وهذا ما دعا الرئيس الصيني إلى مراجعته في قمة البريكس في الأيام الأخيرة بإلحاح شديد.
 
حكام الجزائر، في ما يبدو، في حاجة إلى توزيع الأوهام داخليا بمثل هذا الكلام الفارغ وبالحديث عن أقوى جيش في المنطقة والعدو الكلاسيكي وغير ذلك، لأنه لم يعد لهم ما يوزّعونه على الشعب الجزائري وما يشترون به الولاءات داخليا والمواقف خارجيا، بعدما تفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب انهيار صادرات المحروقات وعائداتها وتآكل ما تبقى من احتياطي العملة الصعبة الموروث عن السنوات الماضية، وبدأت الاختناقات تظهر تباعا ويظهر معها الفشل المتراكم والمتفاقم في الخروج من التبعية للبترول والغاز، اللذين يمثلان 97% من عائدات الصادرات وحوالي 60% من موارد ميزانية الدولة.
 
هذه الأوهام سرعان ما ستتبدد، في حال انطلائها على البعض، لتظهر الحقيقة المرة، ويظهر أن استظهار العجرفة والثقة في مخزونات الأسلحة المتراكمة، والمنتمية في معظمها لزمن تكنولوجي غابر، مجرد تغطية على الإحساس بالضعف والشعور بغموض الآفاق بالنسبة لنظام مريض خرج الشعب الجزائري الشقيق للمطالبة برحيله على مدى شهور، إلى أن جاءت كورونا لتوقف حراكه، وبدأت علامات التمزق داخله تظهر للعين المجردة.
 
ما يجب أن يعيه حكام الجزائر الحاليون، الذين يتبين أن الفطنة السياسية تنقصهم مقارنة بمن سبقوهم، هو أن الجزائر، ذات الحدود مع عدد كبير من البلدان، التي تواجه مشاكل استقرار وأخطار الإرهاب ذي الأصل الجزائري غالبا، يجب أن تنشغل بحدودها الجغرافية ووضعها الداخلي بلا عنتريات كلامية مستفزة لكل الجيران، وأن تعي أن حدودها مع المغرب كانت دائما حدودا آمنة، رغم تسخيرها لعصابات البوليساريو ومن يتبعونها لاستفزازه، وأن المغرب ظل محافظا على إيجابيته في علاقته مع الجزائر في كل الظروف لتجنيب البلدين والشعبين الشقيقين ما من شأنه أن يُلحق ضررا بليغا بأوضاعهما وبتطلعهما إلى بناء مستقبل مشترك، مستقبل مغاربي، وما من شأنه أن يجنب باقي المنطقة مخاطر كبيرة.
 
للأوهام حدود، وللحماقات حدود، ومن مسؤولية العقلاء في الشقيقة الجزائر أن يتصرفوا كي يوجّهوا البوصلة في الاتجاه الصحيح، اتجاه مواجهة المشاكل الداخلية العويصة بإمكانيات أقل بكثير من الإمكانيات، التي توفرت خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة وتم تبديدها.
 
كاتب وإعلامي واقتصادي