الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
من طقوس الاحتفال بسبع بولبطاين

بالفيديو.. طقوس العيد الكبير.. احتفالات شعبية غامرة بالفرحة والغرائبية والخرافة والشعوذة

 
إنصاف الراقي
 
في المغرب ثمة ما يعطي لأجواء عيد الأضحى بُعدا مميزا، وفرادة تكاد تجعله موسوما بخصوصية "مطلقة" عن تلك التي تمر بالبلدان العربية والإسلامية.. فمن جهة، هناك طقوس متوارثة جيلا بعد جيل، تصاحب الاحتفال بعيد الأضحى، أو "العيد لكبير".. بعضها يتخذ طابعا كرنفاليا، ينهل من الاحتفالية خصوصيتها، وأخرى موغلة في الخرافة، تعطي للأجواء أبعادا غرائبية، مطبوعة بـ"الدجل والشعوذة".
 
بعض هذه الطقوس ماتزال قائمة حتى الآن، وأخرى أصبحت مجرد ذكرى مفعمة بالنوستالجيا. إذ هناك، حسب المناطق المغربية، طقس الحناء للكبش خلال الليلة التي تسبق العيد، والاحتفاظ بـ"جبانية الدم" خلال عملية النحر للتبرك بها واستعمالها في البخور والتطلع للمستقبل، ثم قراءة الطالع في عظم الكتف (النشاشة) عند العشاء الأول للعيد، وطقس "سبع بولبطاين" و"بوهيروس" وكذا الاحتفاظ بعظم "بابا عايشور"، إلى جانب جمع "الكديدة" للواتي يرغبن في الإنجاب، إضافة إلى طقوس أخرى تجمع بين الخرافة والشعوذة.
 
غير أن كثيرا من هذه الطقوس، أخذت في التلاشي، بفعل المتغيرات التي عرفتها البوادي والقرى المغربية.. وهنا نسلط عليها الضوء من جديد، لإنعاش الذاكرة، وأيضا إحياء لما يمكن اعتباره تراثا جمعيا نتج عن تلاقح الثقافات الشعبية على امتداد ربوع المملكة.
 
التشوف في عظمة الكتف
 
قبل سنوات قليلة ظلت عادة طهي الكتف خلال الليلة الأولى للعيد الكبير منتشرة في أغلب المدن المغربية، وهي مناسبة يستغلها كثيرون لصلة الرحم والتجمع حول مائدة واحدة، حيث يتفاعل الجد والجدة مع الأبناء والأحفاد، لكن هذه العادة آخذة في الاندثار بفعل الهجرات التي أبعدت نسبيا بين أقطاب العائلة الواحدة. لكن وبالرغم من ذلك ظلت عادة قراءة الكتف مستحكمة في أغلب مناطق المغرب، وإن كانت آخذة في التلاشي مع قدوم طلائع أجيال الحداثة.
 
وبحسب العادة، فبعد أن يفور لحم الكتف في وجبة الكسكس أو يُطهى مع المرق، وبعد أن تُأكل لحمه، تعطى عظمة الكتف لكبير العائلة، الذي يعرضها على نور المصباح. فإن كانت صفحة بيضاء لا شِيَّة فيها، تفاءلت العائلة خيرا بالخصب وموفور الرزق.. وعلى العكس من ذلك، إن تخللتها بعض الخدوش أو الخطوط، فهذا نذير شؤم بحسب المعتقد السائد في الثقافة الشعبية.
 
وتبقى هذه العادات مجرد طقوس موغلة في الخرافة، لكنها إحدى ركائز التراث الثقافي لبعض العائلات المغربية، التي وإن لم تؤمن ببعض ما ينبئ به عظم الكتف، تلجأ إلى قراءته للتسلية فقط.
 
"جبانية" دم الخروف لطرد العين
 
من الطقوس الموغلة في الخرافة، أنه مباشرة بعد نحر الأضحية، تحمل بعض النساء "جبانية" لغايات في أنفسهن، حيث يضعنها أمام عنق الذبيحة، فيندلق بداخلها دمها الساخن، وتتركنه بعيدا عن الأعين في مكان ما من البيت، خصوصا الفناء المطل على السماء، إلى أن يجف.. ومن استعمالاته حسب معتقداتهن الموغلة في الخرافة، أنه يصلح لطرد العين الحاسدة والأرواح الشريرة وإبطال السحر وتيسير زواج العازبات، وإن كانت بعض النسوة، يقرأن فيه طالعهن مباشرة بعد عملية النحر.
 
الاحتفال بـ"بوهيروس" هنا وهناك
 
 
 
وهو طقس يقوم، وفق بعض المهتمين، على طمر العظام الخاصة برأس الخروف الذي تم أكل لحمه، بعد إعداده في وجبة "الكسكس" أو على الأقل "تفويره" على نار هادئة (لحم مدخن).. هذه العظام يتم طمرها وردمها ودفنها تحت التراب، لمآرب في نفوس أصحابها. ففي بعض المناطق في إقليم آسفي، يجمع الناس هذه العظام ويضعونها في قماش، ثم يدفنوها في التراب، لاعتقادهم أن تركها مشتتة، قد يتسبب لهم في تكسير الروابط العائلية وأيضا تكسير الأواني خلال فترة ما بعد العيد والآخر المقبل.
 
في حين يرتبط طقس "رأس الخروف" في مناطق مجاورة لآسفي، كمدينة اليوسفية، بالاحتفال بـ"بوهيروس" خلال ثاني عيد الأضحى، ويعتمد بالدرجة الأولى على التراشق بالماء، تبركا بـ"ماء زمزم".
 
"سبع بولبطاين" الاحتفال الكرنفالي المهدد بالانقراض
 
"السبع بولبطاين"، بحسب المهتمين بالثقافة الشعبية، طقس في طريقه للانقراض، ينهل من الأسطورة خصوصيته، المعتمدة على أبطال من عالم الحيوان، وتحديدا الأسد، باعتباره علامة بارزة ومميزة كملك للغابة، وسيدها وقائدها ورائدها دون منازع. ولذلك كان المغاربة، يخلطون بين الاعتزاز والخوف من هذا الحيوان، وقاموا يخلدونه بطقوس احتفالية، بعد أن يرتدي أحد الشباب فرو صوف الخرفان المرتوق (البطانة) ، على أن يكون عدد "لبطاين" سبعة، ولهذا سمي ب"السبع بو البطاين"، أي " الأسد ذو السبع فراءات". ويتخلل هذا الاستعراض ضرب بالدفوف وإشعال للهب المتصاعد الألسنة في فضاءات حلقية، حيث يتغنى الجميع نساء ورجالا ببعض الهازيج المحلية. ومن أسمائه أيضا حسب المناطق: بوجلود بفاس والنواحي، هَرْما بمراكش وأحوازها، بولحلالس بالغرب الشرادة، وبوهو وإمعشار في سوس ماسة.
 
"ميات گديدة وگديدة للعاگرات"
 
عندما تنصرم الأيام الأولى لعيد الأضحى، بأطباقها المغربية المتميزة بأصالتها وعراقتها، تقوم بعض النساء، أثناء تقطيع لحم الخروف، بتخصيص أجزاء معينة من لحمه، لـ"الكديد" أو اللحم المملح والمجفف.
 
وهناك، بحسب الاعتقاد السائد في العديد من المناطق المغربية، من يستعمل القديد لمآرب أخرى.. فبعد مرور أسابيع قليلة، تطوف النساء "العاكرات"، واللواتي تأخرن في الإنجاب، ببيوت الصديقات والقريبات والجارات لجمع الكديدة "100 كديدة وكديدة"، شرط أن تكون من مصادر متفرقة، "كديدة من كل بيت"، ثم طبخها في وجبة الكسكس، وجمع النساء حول مأدبة في احتفال صغير، يتسقم إليه بعض الفرق النسائية الغنائية كـ"العونيات".
 
ويسود الاعتقاد أن هذه الوجبة، تحفز الخصوبة والإنجاب، بما يتيح للعاقر الانتقام من الكرش التي خانتها، وضَّنت عليها بصبي أو صبية يملأن عليها دنياها الفارغة، ويغلق عيون اللوم والعتاب من المقربين، وخاصة من الرجل الذي يبحث له عن الخلف.