الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

محن في عيد الأضحى

 
فجري الهاشمي
 
 
منذ صغري لم أكن أرتاح إلى عيد الأضحى، ربما لأنني كنت أكره الفوضى وطبعي يميل إلى الهدوء والنظام، وحين كبرت لم يتغير موقفي، لكن أصبحت لدي مبررات.
لا أرى في هذا العيد سوى تلك المحن، التي يعيشها الناس في هذه المناسبة. وأقصد هنا ذوي الدخل المحدود (وهم الأغلبية).
سأتحدث عن بعض هذه المحن، التي تحضرني كلما حل الأضحى:
 
المحنة الأولى، هي محنة أحس بها وأشفق على أولئك الذين هم في غير وعي بها رغم أنها محنتهم، تتمثل هذه المحنة في الصورة التالية:
بعد أن ينتهي المواطنون من طقوس الذبح وما يتلوها من تقاليد التمتع بلحم الأضحية، يخرج الناس إلى المقاهي، وآخرون إلى زيارة عائلاتهم، وتبدو على الجميع الابتسامة والفرح، هناك من يعتقد فعلا أن الناس فرحين بالعيد، لكن الحقيقة غير ذلك، إنهم فرحون بالانتصار على العيد من خلال التمكن من شراء الأضحية، التي قد تكون عسيرة بالنسبة للبعض إلى اللحظة الأخيرة، وعلينا فهم معاناة هؤلاء الناس في المدة السابقة على العيد، وهم يفكرون في تدبر تلك الأضحية، فليس الفرح والابتسامة، التي نراها على محياهم، سوى فرح الانتصار على العيد!
 
المحنة الثانية، التي تحضرني كلما حل العيد هي صورة ذلك الطفل في إقامة ما أو حي سكني ما، ويكون والده قد اشتري كبشا لكن والد صديقه اشترى كبشا أكبر من ذلك الذي اشتراه أباه، كيف سيشعر وكيف سينظر إلى أبيه، قد يحس بالدونية، وتتكون لديه نظرة قاسية على أبيه الذي لم يوفر له كبشا يفتخر به أمام أقرانه، قد لا ندري ماذا ستفعل تلك الدونية في نفسية ذلك الطفل!
 
المحنة الثالثة، وهذه تحضرني بقوة كلما حل العيد. في الثمانينيات، كنت ذهبت رفقة صديقي لشراء كبش من (سوق إفريقيا). أنهيت المهمة، ونحن خارجون من السوق، أوقفني رجل صحبة ابنه وسألني عن الأثمنة، قلت له: حسب ما رأيت، فإن 1500 درهم يمكن أن تشتري لك.. لكن الرجل قال لي إنني لا أملك سوى 1200 درهم، وهي غير كافية لشراء الكبش، وكان الطفل يتابع حديثنا، شعرت بإحراج كبير، أخرجت ما في جيبي، وكان مبلغا لا يتعدى 150 درهما، وسلمته له قائلا "هذا جهدي عليك"، وودعته منكسرا وحزينا!
 
إلى أولئك الذين يستغلون هذه المناسبة ليتأسلموا علينا نقول إن جوهر الدين رحمة وليس تعذيب الناس، لقد مر النبي إبراهيم بامتحان، وقد أصبح عبرة للناس.. فهل الآن العبرة أم الطقس؟!