الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رسالة حب ملغومة وساعي بريد ثقيل الظل

 
حنان درقاوي
 
سجل أنا أمازيغية
ولغتي ليست على بطاقتي
ومنذ قرون ينفونني عن ذاتي
 
وجاء علينا وقت نحن الأمازيغ يرفضنا بدو نظافة الثلاث حجرات والنفط الذي يستثمره لهم غيرهم قالوا لنا لا نريدكم، أنتم مستعربة ونحن فينا ابن باجة وابن البيطار فاطمة نسومر، أبو القاسم الزياني، المختار السوسي، محمد بن تومرت ويوسف ابن تاشفين، ابن خلدون، ابن بطوطة، عباس بن فرناس، ابن مخلوف السجلماسي الفلكي، أكنسوس، ابن أجروم، يحيى بن يحيى بن كثير، عابد الجابري، وآخرون...
 
سجل أنا أمازيغية
ولغتي ليست على بطاقتي
ومنذ قرون ينفونني عن ذاتي
 
جاء علينا وقت ترد لغتنا ذات الألفين وسبعمائة سنة تاريخ إلى العربية على لسان وزير ثقافة سابق يشطح فكره أغلب الأوقات ويقول إن "تامطوت"، المرأة في الأمازيغية، هي نسبة للطمث العربية ببساطة.. والرجل، رغم منصبه الرفيع، لم يتابع ما يحدث في وطنه فقد تمت دسترة الأمازيغية كلغة رسمية والقرارات تُفعّل تباعا رغم أننا بعد تسع سنوات من هذا القرار الشجاع مازالت النتائج ضعيفة، فعشرون في المائة فقط من التلاميذ يدرسون الأمازيغية، كما تمت إحالة مقترح كتابة الاسم بالحرف الأمازيغي على البطاقة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان رغم أن مساره الطبيعي هو المصادقة الحكومية التي توجد خارج التاريخ باعتبار أنها تنسى أنه تم إقرار الأمازيغية لغة رسمية، ولم تعد موضوعا حقوقيا، بل دخلت مرحلة تفعيل مقتضيات دستورية..
 
أحيل مقترح كتابة الاسم بالحرف الأمازيغي على البطاقة إلى مجلس حقوق الإنسان رغم أن مساره الطبيعي هو المصادقة الحكومية التي توجد خارج التاريخ باعتبار أنها تنسى أنه تم إقرار الأمازيغية لغة رسمية
 
ومهما كانت مبررات رفض المصادقة تقنية وغيرها، فما سمعناه وما قرأناه كأمازيغ، وسخرية من حرف لغتنا تيفيناغ، لا ينبع من إيمان بمغرب متعدد نريده عربا شرفاء وأمازيغ..
 
كان يمكن قبول المقترح ولو من باب جبر الخاطر لشعب مهمش في القرى والجبال، هل زار السادة البرلمانيون أنفگو وإميلشيل وهوامش مگونة وتيشكا؟ هل حاولوا أن يقضوا ليلة في بيت طيني في الأطلس الكبير دون ماء ولا كهرباء ولا مرحاض ولا ورق تواليت معطر؟ هل جربوا ما معنى التحقير والإحساس بالحگرة الثقافية، إضافة إلى الفقر المقذع والتهميش؟
 
كان يمكن أن يصادقوا من باب سياسي نفعي درءا لتجذير لمطالب الأمازيغ..
 
كان يمكن أن يصادقوا وأن يتجاوزوا مخاوفهم من حرف الأمازيغ وعلم الأمازيغ وشكل لثة الأمازيغ، لكنهم خائفون على عقيدتهم ولغتهم، على الجميع أن يخفي ما هو لأن المسلم المبجل، طفل العالم المدلل، يخاف على معتقده، ويخاف على لغته، على التماثيل أن تختفي لأنها قد تغريه فيعبد الأصنام ثانية..
 
على المرأة أن تغطي شعرها لأنه يستثار المسكين وقد يغتصب النساء بالجملة..
 
هل زار السادة البرلمانيون أنفگو وإميلشيل وهوامش مگونة وتيشكا؟ هل حاولوا أن يقضوا ليلة دون ماء ولا كهرباء ولا مرحاض ولا ورق تواليت معطر؟ هل جربوا ما معنى التحقير والإحساس بالحگرة الثقافية؟
 
على المثلي أن يخفي مثليته لأن طفل أمه المدلل لا يعرف ما يمكن أن يحدث على معتقده الهش والمهتز وقد يعتدي على مؤخرة إخوته..
على الأمازيغ أن يخفوا لغتهم وعلمهم وأشعارهم وأسماءهم الأصيلة لأن طفل أمه المدلل خائف على لغته، وهو في نفس الآن يؤكد أنها لغة آدم ولغة الجنة، بها ابتدأ النطق وبها ينتهي، والأكثر نجابة كنائبهم العالم يقول إن أمريكا تكتب وثائقها السرية بالعربية لأنها الأبقى..
وأكثرهم براعة في الألسن وينطق عشر لغات يكشف عن مشكلته الحقيقية والسر وراء براعته في الإتيمولوجيا يقول إن تحية أزول مستحدثة والأصل هو السلام عليكم..
 
سجل أنا أمازيغية
ولغتي ليست على بطاقتي
ومنذ قرون نفوني عن ذاتي
 
كان يا ما كان أن أتى من الشرق البعيد فرسان أشداء حاملون رسالة قالوا عنها رسالة حب وسلام وقالوا تزوج منهم رجل وقرأ آيات على القوم وأسلموا وحسن إسلامهم..
 
درسونا هذا وعوّلوا على أن نكون بمثل كسلهم لكننا درسنا ونبغنا حتى في العربية وعلمنا أن رسالة الحب الملغومة تلك كانت محمولة على رؤوس السيوف وأنه باسم السلام والرحمة قتل الآلاف من أجدادنا المسالمين وسُبيت الآلاف من نسائنا الجميلات ذوات الحظوة في بلاط الخليفة ورجاله المقربين...
 
على الأمازيغ أن يخفوا لغتهم وعلَمهم وأسماءهم الأصيلة لأن طفل أمه المدلل خائف على لغته ويؤكد أنها لغة آدم ولغة الجنة والأكثر نجابة كنائبهم العالم يقول إن أمريكا تكتب وثائقها السرية بالعربية لأنها الأبقى 
 
قرأنا وعرفنا أصول توزيع البريد وأن ساعي البريد لا يستقر عند المرسل إليه أربعة عشر قرنا، فأي ساعي بريد ثقيل الظل يكون؟
قبلناهم ونسينا دم قتلانا ودفعنا إلى الجبال وتفقيرنا وتهميشنا وقلنا نؤسس مع الجميع وطنا واحدا يعترف بالتعدد ولا تخيفه حروف الآخر وأعلامه وعيناه الضيقتان..
 
جاء سعاة بريد جدد يرفعون نفس الرسالة لكن على رماح جديدة اسمها الاقتراع في انتخابات هي قطع طريق وسطو مسلح يمتلكون فيه مقدس الفقراء في بلد لا أحد يسلم فيه من عقوبة نقد المقدس وحتى رسم لغة المقدس..
 
سجل أنا أمازيغية
ولغتي ليست في بطاقتي
ومنذ قرون ينفونني من ذاتي
 
من فضائل هذا الهجوم غير المبرر على لغة هي لغة رسمية للبلاد هي أنني تغيرت، لم تطرح لي يوما مشكلة اللغة وحقوقها وكنت الأكثر تصالحا من مثقفي الأمازيغ انسجاما مع اختيار العربية والفرنسية للكتابة والأمازيغية والإنجليزية للتواصل، لم أفكر في الانضمام إلى الحركة الأمازيغية..
 
لكنني اليوم سأنتمي
 
اليوم ليس للأمازيغي كما العلماني في أرض الإسلام ما يخسره غير قيوده وتغييب صوته..
_____________
كاتبة ومحللة نفسانية