الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أحمد المرادي لـ"الغد24": هذه 10 نقائص لمعرض الرباط وهذه مظاهر الريع في جدل دعم الكتاب

 
أثارت الدورة الثامنة والعشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب، التي نظمت أيام 1-11 يونيو الجاري في الرباط، الكثير من الجدل، الذي مازال مستمرا، حسب المنطلقات والمواقع... ففيما احتفت وزارة الشباب والثقافة والتواصل بنجاح الدورة، سواء في ما يتعلّق بالمشاركة، التي قالت الوزارة إنها بلغت أكثر من 700 عارض، مثّلوا أكثر من 50 بلدا، وقدّموا 120 ألف عنوان تنتمي إلى مختلف حقول المعرفة والإبداع، أو في ما يتعلّق بالبرمجة الثقافية، التي قالت الوزارة إن هذه الدورة حققت رقما قياسيا في تاريخ دورات المعرض، بمجموع عام بلغ أكثر من 1230 فقرة ثقافية، أو في ما يتعلق بالمواكبة الإعلامية، التي قالت الوزارة إنها عرفت مشاركة أكثر من 80 مؤسسة إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة، ورقية وإلكترونية، من المغرب والخارج، بحضور ميداني لأكثر من 700 متدخل ما بين صحافيين وتقنيين...، نجد، بالمقابل، عددا من الكُتّاب والناشرين والباحثين والنشطاء المدنيين والزوار يعبّرون عن انتقادات شديدة، سواء خلال فعاليات الدورة، أو عقب اختتامها، وسواء في مناقشات عمومية أو في مقالات صحفية أو عبر تعبيرات متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي...
 
ولتسليط أضواء كاشفة على تقييم مهني لهذه الدورة الثامنة والعشرين للمهرجان الدولي للنشر والكتاب في الرباط، حملت جريدة "الغد 24" أهم الانشغالات والانتقادات، التي عبّر عنها مشاركون وزوار ومعنيون، لتطرح أسئلتها القلقة والملحة على الكاتب والناشر أحمد المرادي، وهو مدير نشر "دار التوحيدي"، وأحد المشاركين، الذين خبروا خبايا المعارض الدولية للنشر والكتاب في المغرب وفي العالم، وراكموا تجربة غنية وبلوروا رؤية معرفية واضحة لما يجب أن تكون عليه المعارض الدولية، ولما ينبغي أن يكون عليه معرض دولي تحتضنه العاصمة الرباط، يفترض أن يشكّل عنوانا لأكبر تظاهرة ثقافية في أفريقيا والشرق الأوسط، أو هكذا يأمل كثير من المغاربة على الأقل... كما شكّل رواق دار التوحيدي أحد أكثر الأروقة نشاطا واستقطابا للزوار والكتاب والروائيين والشعراء والباحثين والمؤرخين والفنانين والسياسيين والنقابيين والحقوقيين والفاعلين المدنيين... التقينا صاحب دار التوحيدي، أحمد المرادي، وكان هذا الحوار...
 
السي أحمد المرادي، أو "السي حميد"، كما يحلو لعدد من أصدقائك المقربين أن ينادوك، نجدد اللقاء بك لاستقصاء تقييمك لفعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، الذي وسمتَه، في تدوينة قصيرة ومركزة على حسابك في الفايسبوك، بالوقوع في عدة نقائص...
 
أحمد المرادي (مقاطعا): معذرة على المقاطعة، أعتقد أن استعمال عبارة "المعرض الدولي للنشر والكتاب" يحتاج إلى التدقيق في المصطلحات، ويمكن أن تعتبر إضاءتي هذه هي النقيصة الأولى...
 
هل هناك ما يجترح استعمال "المعرض الدولي للنشر والكتاب" في ما يتعلق بالمعرض المنظم في الرباط؟
 
أحمد المرادي: نعم، ويمكن بلورة هذه النقيصة الأولى في غياب التصور العام لماهية المعرض الدولي للنشر والكتاب...
 
ففي نظري، يصير المعرض الدولي للنشر والكتاب دوليا حين تكون له بصمته من حيث مشاركة الفاعلين في صناعة الكتاب من داخل المغرب، وخصوصا من خارج الوطن، على أوسع نطاق.
 
يصير المعرض الدولي للنشر والكتاب دوليا حين يتيح منصات للمهنيين لتبادل وتسويق حقوق النشر والترجمة، وليس تنظيم لقاءات "مهنية" شكلية، دون مهنيين، لشرعنة صفقات وراء الستار من غير حتى إخبار الجهات المعنية بتطوير صناعة الكتاب
 
ويصير المعرض دوليا حين يسوّق المعرض صورة حقيقية عن صناعة الكتاب بالبلد المضيف للعالم، وسنورد ما يتعلق بالفاعلين الغائبين في نقيصة لاحقة.
 
ويصير معرض النشر والكتاب دوليا حين تحضره المكتبات الوطنية والجامعات العالمية والمراكز البحثية للدول لاقتناء آخر الإصدارات. علما أن المكتبات الوطنية والجامعات والمراكز البحثية تشكل الواجهة الحقيقية لسياسات الدول المعنية في مجال صناعة الكتاب وترويجه...
 
ويصير المعرض دوليا حين تُتاح منصات للمهنيين لتبادل وتسويق حقوق النشر والترجمة، وليس تنظيم لقاءات "مهنية" شكلية، دون مهنيين، لشرعنة صفقات وراء الستار من غير حتى إخبار الجهات المعنية بتطوير صناعة الكتاب.
 
ويصير معرض النشر والكتاب دوليا حين يصبح حدثا عالميا، تتناقل إحداثياته قنوات الإعلام بمختلف الوسائط (تلفزيون، راديو، وسائط التواصل الاجتماعي)...
 
أفهم من الجواب أن كل هذه الملاحظات والاعتبارات لم تتوفّر في المعرض، وهذه مؤاخذة قوية، سنعود إليها لتدقيقها أكثر، نريد هنا التوقّف عند نقطة محورية، إذا كانت هذه العوامل غير متوفرة في المعرض، فهل هذا يعني أن هناك إشكالية بنيوية في التحضير والتنظيم؟
 
أحمد المرادي: هذا يعني بكلمتين: نقيصة ثانية، بالفعل، وتتمثّل في كيفية الإعداد لتنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب... وهنا، سأكون مضطرا للعودة إلى الماضي القريب جدا، للتذكير بمبادرة المرحومة ثريا جبران، عندما كانت وزيرة للثقافة، حين استدعت كل الناشرين إلى المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، لتطارح قضايا صناعة الكتاب والدعم المرتبط به وتنظيم المعرض، وكانت هذه الدعوة لكل الناشرين مرتبطة بحالة تنظيمية آنذاك، وهي أن الجمعيات الموجودة لم تكن تمثل إلا بعض المصالح الخاصة. وقد تم فتح نقاش موسع بين الوزارة والفاعلين من أجل تطوير الأداء عبر مقترحات بناءة.
 
بعد ذلك، اتخذتُ، شخصيا، في سنة 2014، مبادرة توحيد الناشرين تحت إطار واحد وموجِّد لكل الناشرين بمختلف تخصصاتهم ومصالحهم، وهو الشيء الذي تم بسلاسة في مرحلة أولى، قبل أن ينسحب المسيطرون على سوق الكتاب المدرسي بعد اجتماعنا، أنا ككاتب عام لاتحاد الناشرين، ورئيس الاتحاد آنذاك ونائبه، تحت مبرر مثير للشفقة أن أي "حوار مع وزارة التعليم لا يخصهم إلا هم كناشرين للكتاب المدرسي"، وبعد جمع عام انتخابي، لم يفز أحد المُسيطِرين على الكتاب الفرنكوفوني وعلى مناقصات مؤسسات عمومية كثيرة، في انتخاب المكتب، فانسحب ليؤسس اتحادا جديدا صحبة 5 ناشرين لم يفوزوا مثله في الانتخابات. وبذلك عدنا إلى نقطة الصفر من جديد: "التشرذم".
 
وكيف تعاملت وزارة الثقافة مع هذا التشظّي في القطاع؟
 
في عهد وزيري الثقافة الأسبقين الراحلة ثريا جبران ومحمد أمين الصبيحي كان هناك حرص لإشراك المهنيين خلال أطوار التحضير لمعرض الكتاب، غير أنه بعد مرحلة "كوفيد"، ساد من جديد منطق "الشبكية" والعلاقات الخاصة في الإعداد للمعرض، وهذه نقيصة كبرى للدورتين الأخيرتين
 
أحمد المرادي: لقد حدث ذلك في عهد وزير الثقافة الأسبق، محمد أمين الصبيحي، الذي حاول، صراحة، التعامل مع هذا الوضع المتشرذم، ونجح في التوفيق، في غالب الأحيان، بين مختلف الأطراف خلال كل المحطات، رغم استمرار الريع والفساد في السيطرة على القطاع...
 
لكن، وللتاريخ، وبعيدا عن هذا التصدع، فقد استمرت الوزارة في فتح التشاور حول تنظيم المعرض الدولي للنشر والكتاب مع الفاعلين، عبر لقاءات مع قطاعات مختلفة، ومنهم الناشرون للكتاب.
 
غير أنه، بعد مرحلة "كوفيد"، ساد من جديد منطق "الشبكية" والعلاقات الخاصة في الإعداد للمعرض الدولي للنشر والكتاب، وهذه نقيصة كبرى للدورتين الأخيرتين.
 
طيب، ماذا عن النقيصة الثالثة؟
 
أحمد المرادي: النقيصة الثالثة أخصصها لمسألة التنظيم الميداني، وتحديدا لتنظيم الدخول والخروج للمعرض وللأمن، فقد تم تسجيل سوء تدبير كبير في عمليات تنظيم الدخول والخروج والأمن خلال هذه الدورة... فمن خلال متابعتنا للأمر، خلصنا إلى أن الوضع ارتبط أساسا بسوء التكوين، الذي طبع سلوكيات مستخدمي الشركة المكلفة بتنظيم الدخول والخروج والأمن داخل المعرض، إضافة إلى سوء توزيع الموارد البشرية، التي وضعتها الشركة رهن إشارة المعرض، وفي هذا الصدد، سجّل مراقبون تواتر سوء معاملة الزوار، وأحيانا مع الناشرين، وغياب الحد الأدنى من التعلُّـُمات لدى مستخدمي الشركة، وغياب تصور واضح لطبيعة الفعالية الثقافية، وصيغة تدبيرها وتنظيمها...
 
فهمت المراد، وبعضاً من المقصود، كما لاحظ ذلك عدد من الزوار أو الرواد، إذ إن العديد من هؤلاء المستخدمين، كانوا يتوسّلون ويتسوّلون الماء والأكل والسجائر، فضلا عن بعض الاحتكاكات السلبية مع الزوار، مما يعطي صورة سلبية لمعرض يفترض أنه دولي... هذا عن الجانب التنظيمي، ماذا عن البرمجة الثقافية للمعرض، المقصود، طبعا، البرمجة، التي وضعتها الوزارة؟
 
أحمد المرادي: دعنا نعتبر مسألة البرنامج الثقافي للمعرض هي النقيصة الرابعة، فقد تميّزت البرمجة بإعادة إنتاج نفس اللقاءات ونفس المواضيع ونفس المحاضرين والوجوه ، تحت مسميات مختلفة، بالإضافة إلى سيادة الشبكية في توزيع المشاركات، بل إن الأمر في بعض الحالات وصل إلى أن أعضاء من "اللجنة العلمية" المعيّنين، خوّلوا لأنفسهم مشاركات بتعويضات في أكثر من فعالية ومحاضرة، سواء بالمشاركة أو التسيير، والأمر سيان...
 
كما سيطر على معظم الأنشطة الثقافية شخصيات فكرية وأدبية من الرواد، لا ننكر مساهمتها في بناء الصرح الثقافي المغربي، لكن نالت حظها وما يزيد من الاحتفاء والتكريم والجوائز، فيما كان الأجدر والأجدى فتح المجال للجيل الشاب الجديد للتعريف به وتسليط الضوء على إسهاماته ورؤيته، إلا إذا كان وزير القطاع، وهو شاب، لا يرى غير الجيل القديم الذي ملأ زمنا كاملا من عمر المغرب.
 
السي أحمد، لو سمحت، أود العودة إلى "دولية" معرض الكتاب في الرباط، استنادا إلى البلاغ، الذي أصدرته وزارة الشباب والثقافة والتواصل، عقب اختتام فعاليات الدورة الثامنة والعشرين للمعرض، إذ نجد في البلاغ التنصيص على مشاركة "أكثر من 50 دولة" في المعرض، فكيف يضع المرادي هذا العدد بين قوسين، حسب ما فهمت من جوابك، الذي يخص النقيصة الأولى؟
 
أحمد المرادي: في بلاغ سابق، تحدثت الوزارة عن مشاركة 51 دولة في الدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، بينما الحقيقة المضمرة، وهذه نقيصة خامسة، أنه من خلال مراجعة لائحة العارضين لا نجد إلا 23 "دولة" مشاركة، ونذكرها بالاسم حتى لا يجادلنا أحد ، المغرب والصين ومصر وتونس ولبنان والكويت والأردن والسعودية والسويد وبريطانيا والعراق والإمارات وسوريا وفلسطين وتركيا والسودان وقطر وإيطاليا وإسبانيا وعُمان وألمانيا وكندا، إضافة إلى "دولتين"، حسب بلاغ الوزارة، هما "أفريقيا" و"أمريكا اللاتينية"!!! وهما "دولتان" لا توجدان بهذين الاسمين على الخريطة!!
 
ومن جانب آخر، لما نبحث في قاعدة المشاركين على موقع الوزارة، نجد أن ألمانيا، مثلا، تشارك بمعهد غوثه بالرباط، فهل هذه مشاركة لألمانيا أو لمركز ثقافي مفتوح باستمرار للعموم في المغرب؟ وإسبانيا تشارك عن طريق السفارة الإسبانية، فهل هذه مشاركة للفاعلين في مجال النشر والكتاب في إسبانيا أم أن الوزارة تعمل قياسا على القاعدة الفقهية إذا حضر الماء رفع التيمم، ما يعني إذا حضرت السياسة رفعت الثقافة؟ ويمكنني الذهاب بعيدا في هذا السياق!!!
 
معنى ذلك أن هذا الأمر سينعكس، طبعا، على حجم المشاركة في المعرض، كما سوّقت لها الوزارة، التي حدّدت عدد المشاركين في فعاليات هذه الدورة في أكثر من 700 عارض... فما هو رأيك في عدد المشاركين المعلن عنه رسميا؟
 
أحمد المرادي: وهذه نقيصة سادسة، إذ من خلال اطلاعنا على بلاغ الوزارة، الذي يؤكد أن عدد المشاركين تعدى 700 "مشارك مباشر وغير مباشر"، ومن خلال اطلاعنا، كذلك، على قاعدة معطيات المعرض على موقعه الرسمي (siel.ma)، فقد سجّلنا أن المؤسسات العمومية والخاصة، غير الفاعلة على مستوى إنتاج الكتاب، استحوذت على أكثر من 60%من أجنحة المشاركة المغربية مثلا، حيث بالكاد تجاوزت دور النشر المغربية عدد 40 مشاركة، بما فيها المكتبات والموزعون والناشرون...، من مجموع ما يقارب 114 مشاركا من المغرب!!!
 
وماذا عن التواصل في معرض الرباط، لا نقصد التواصل، الذي نظمته الشركة الخاصة المنظمة للدورة 28 من المعرض، وإنما عن التواصل الرسمي، الذي يفترض أن تضطلع به الوزارة؟
 
تميّزت البرمجة الثقافية للمعرض بإعادة إنتاج نفس اللقاءات ونفس المواضيع ونفس المحاضرين والوجوه، تحت مسميات مختلفة، بالإضافة إلى سيادة الشبكية في توزيع المشاركات، وكان الأجدى فتح المجال للجيل الشاب الجديد، إلا إذا كان الوزير، وهو شاب، لا يرى غير الجيل القديم الذي ملأ زمنا كاملا من عمر المغرب
 
أحمد المرادي: التواصل، على هذا المستوى، ليس فقط نقيصة سابعة، بل كان بالتأكيد النقيصة الكبرى لهذه الدورة، لقد سجلنا باستغراب كبير غياب تواصل الوزارة مع المشاركين، سواء عبر وسائل الاتصال التقليدية (هاتف، مراسلة...)، أو عبر وسائط التواصل الحديثة... فخلال فعاليات المعرض لم "نسمع" قط بتنظيم ندوة أو لقاء مهني أو بإجرائيات سير المعرض، سواء كتابة أو تواصلا مباشرا، باستثناء "ورقة" توصلنا بها، بـ"البريد الورقي" ثم عبر البريد الإلكتروني، حول نهاية المعرض وطريقة المغادرة، عملا بالتعبير الدارج: "الله يفرّقنا بلا ذنوب"...
 
هذه نقيصة فادحة، بالفعل، كما تفضّلت، قد يبدو العطب، هنا، فقط في الشكل، لكنه يعكس عطبًا في الموضوع، في الجوهر، الذي يفترض أن يجعل من الوزارة فاعلا أساسيا في مسار تعزيز مكانة معرض الرباط على خارطة المعارض العالمية، وتكريس دوره في تطوير قطاع صناعة الكتاب والنشر...هل كان لهذه النقيصة انعكاس على العلاقة بين الوزارة والمهنيين في فعاليات المعرض؟
 
أحمد المرادي: إذا كنت تقصد اللقاءات المهنية، فهذه نقيصة ثامنة، وهي بدورها "فادحة"، كما وردت في سؤالك... نظرا للأهمية القصوى لمثل هذه اللقاءات، التي تستهدف تبادل الخبرات وتبادل وبيع وشراء حقوق النشر وعقد الشراكات بين الناشرين من مختلف الدول، كما تستهدف البحث عن آفاق جديدة لمستقبل ورش النشر وصناعة الكتاب واتجاهات السوق، وقراءة التحوّلات الجديدة ومستقبل الكتاب الرقمي ومنها ظهور الكتب الصوتية، واستكشاف أساليب جديدة لتنمية وتعزيز جاذبية الكتاب وللارتقاء بصناعة النشر إلى مستوى المعايير الدولية إلى غير ذلك من القضايا الأساسية، التي تشغل بال المهنيين وكل الجهات ذات الصلة بالقطاع...
 
وفي هذا الصدد، وباعتبارنا فاعلا له حضور لا يُجادل فيه ضمن الحقل الثقافي وفي صناعة الكتاب الورقي والرقمي بالمغرب، فقد أحسسنا بالأسف والأسى لكون الهيئة المنظمة للمعرض، وهي وزارة الشباب والثقافة والتواصل بشراكة مع ولاية جهة الرباط سلا القنيطرة ومجلس جهة الرباط سلا القنيطرة وجماعة الرباط، لم تخبرنا بأي لقاء مهني، بالموازاة مع ظهور أخبار عن تنظيم لقاءات من هذا القبيل، لكن لم يتم التواصل معنا كمشاركين وحتى مع ناشرين آخرين أخبرونا بانعقاد لقاءات خاصة للمهنيين، وهو الأمر الذي يؤكد استمرارية نفس ممارسات اللوبيات المصلحية، التي سيطرت وتسيطر على تظاهرات وطنية، من المفروض أنها تعلي من الوطن المشترك وليس من بعض المصالح الضيقة...
 
ولابد، هنا، من الإشارة إلى أننا قد حاولنا تعرية هذه اللوبيات المصلحية وإبعاد فسادها عن المشهد الثقافي، ويمكن التأكيد أننا نجحنا، في مرحلة الوزير محمد أمين الصبيحي، في الحد من سطوتها، لكن عشوائية القطاع وفساد البعض وقصر نظر الوصوليين سهّل عليها العودة من جديد وبقوة.
 
هل ما زالت في جعبة ناشرنا السي أحمد المرادي نقائص أخرى في قراءته وتقييمه لفعاليات معرض الكتاب في الرباط؟
 
لم يتم التواصل معنا كمشاركين وحتى مع ناشرين آخرين أخبرونا بانعقاد لقاءات خاصة للمهنيين، وهو الأمر الذي يؤكد استمرارية نفس ممارسات اللوبيات المصلحية، التي سيطرت وتسيطر على تظاهرات وطنية، من المفروض أنها تعلي من الوطن المشترك وليس من بعض المصالح الضيقة
 
أحمد المرادي (ضاحكا): يقول مثل مغربي دارج "مازال المعطي عندو ما يعطي"، لكن صراحة، وبكل جدية، لدي، في المجموع، حوالي 20 نقيصة، وحتى لا أطيل، يمكن أن أكتفي، وأن أختم لو أردت، بإيراد نقيصتين إضافيتين، لنحُدَّ عددها في 10 نقائص...
 
بخصوص النقيصة التاسعة، من المعلوم أن الأداء بواسطة البطاقات الائتمانية البنكية، أصبح من المسلمات في المعارض الدولية، ومنها معارض النشر والكتاب، وقد أوجدت العديد من المعارض الدولية حلولا تقنية وتنظيمية لهذه المسألة، غير أنه في الحالة المغربية، ما زالت الأمور على حالها، حيث نجد فضاء المعرض غير مربوط بشبكة الإنترنيت أولا، كما أن أغلب المشاركين ما زالوا يتعاملون نقدا، بل إن الصرّاف الآلي، الذي وُضع رهن إشارة زوار المعرض، كان فارغا من النقد خلال فترات متعددة...
 
وللمقارنة المفيدة، فمعرض الرياض بالمملكة العربية السعودية يضع رهن إشارة المشاركين كل المعدات التقنية الأوتوماتيكية الخاصة بكل جناح لتسهيل مأموريته، الشيء الذي يوفر للجهة المنظمة كل المعطيات الخاصة ببيع وترويج الكتب ومتابعة ذلك آنيًا، وبالتالي يمكنها التوفر على إحصائيات دقيقة حول مجريات المعرض من إقبال وبيع وشراء وتفاعل...
 
النقيصة العاشرة تتمثل في الوصول إلى المعرض، وهو من النقائص الكبرى للدورتين الأخيرتين 2022 و2023، فرغم أن العاصمة الرباط أصبحت، منذ سنتين، من المدن المغربية الأكثر سلاسة في التنقل داخل المدينة، غير أن تظاهرة مهمة من قبيل معرض دولي للنشر والكتاب تقتضي تنظيما خاصا للوصول إلى مكان المعرض، وتسهيل الولوجية إليه عبر توفير حافلات مجانية في محطات القطار والمحطة الطرقية ووسط المدينة، والإعلام بها طبعا على نطاق واسع. هذا الأمر سيحد من عدد السيارات التي تقتضي الركن في أزقة مغبرة حول المعرض، كما سيحد من سوء تنظيم الدخول...
 
طيب، شكرا على هذه الإضاءات المتعلقة بتنظيم الدورة الثامنة والعشرين للمعرض الدولي للكتاب، وإذا سمحت، سنتمسك بـ"حقنا" في اختتام هذا الحوار المثمر، بطرح سؤال أخير لا علاقة له بالمعرض ولكن له صلة بالكتاب، ويتعلّق الأمر بالجدل المثار حول الدعم المخصص من الوزارة لنشر الكتاب، والمشاركة في المعارض الدولية، والإقامات الأدبية، وللمجلات الأدبية، لسنة 2023... ما هو رأيك في هذه القضية باعتبارك أحد الفاعلين الوازنين في القطاع؟
 
أحمد المرادي: أولا، مواقفنا، في هذا الشأن، ومنذ البداية، كانت واضحة منذ سنة 2014، ويمكن العودة إلى تصريحاتنا بعد كل الدورات السابقة، ولحسن الحظ أن التكنولوجيا الحديثة صارت تغنينا عن الادعاءات والكذب على التاريخ.
 
بخصوص الجدل حول دعم الكتاب لسنة 2023، مواقفنا ظلت واضحة منذ 2014، ضد الريع وضد الإقصاء، ومع بلورة دفاتر تحملات بشكل ديمقراطي، والعمل على سيادة العدالة بين الناشرين وبين الناشر والمؤلف، والابتعاد عن استغلال النفوذ واستعمال أساليب تلغيم اللجان بالأصدقاء والموالين
 
فمنذ البداية، كنا ضد استعمال دعم الناشرين كممارسة ريعية، وكنا ضد أن تتحكم عقلية إقصاء أي ناشر أو مؤلف من حقه في دعم مشروعه من أجل الخروج إلى الوجود الثقافي، وقد ركزنا، في بناء مواقفنا، على الأسس التالية:
 
- تحديد الغايات الأساسية من دعم المقاولات الناشرة في أفق بناء نسيج قوي لقطاع النشر في المغرب، وتحويله إلى قطاع مصدِّر للثقافة والمعرفة المغربية بكل مكوناتها، وقادر على المنافسة في المنطقة والعالم من خلال الانتشار والترجمة والتبادل الثقافي.
 
- شفافية تشكيل اللجان المكلفة بدراسة المشاريع ومهنيتها وتعدد تخصصاتها على مستوى التخصصات المقترحة في المشاريع المقدمة للدعم.
 
- شفافية تخصيص الميزانيات للمشاريع على أسس موضوعية غير خاضعة لاستغلال النفوذ كيف ما كان شكله.
 
- وضع معايير مهنية وتطبيق عدالة في توجيه المال العام، بعد فرز المشاريع المقبولة من طرف اللجان المتخصصة.
 
- مراقبة ومحاسبة الناشرين على إنجازهم لالتزاماتهم ومراقبة التزامهم بدفاتر التحملات والعقود المبرمة مع وزارة الثقافة من حيث الكم والكيف، ومعالجة الاختلالات باسترجاع المال العام الموجه للدعم إذا ما تم هدره في غير ما خصص له، ومنع المقاولات غير الملتزمة بالتحملات برفض مشاركتها في دورة أو عدة دورات من الدعم اللاحق.
 
- وضع صيغة عادلة تعمم على كل الناشرين والمؤلفين لضمان علاقة عادلة وشفافة بين الناشر والمؤلف، حتى يتوصل المؤلف بكل حقوقه المحددة مسبقا في عقد واضح المعالم.
 
لذلك سبق لنا أن وجهنا للوزارة مباشرة عدة مراسلات وعبر وسائل الإعلام، من أجل تطوير وتغيير دفاتر التحملات الخاصة بدعم النشر والكتاب. لكن للأسف، لم يتم اتخاذ أي مبادرة من أجل التطوير والتجويد.
 
لقد رفضنا السنة الماضية (2022) نتائج الدعم، لَمّا رأينا أنه لا ينبني على معايير موضوعية ومنصفة ويميل إلى الشللية والزبونية، والتزمنا مع المؤلفين، الذين وضعوا ثقتهم في دار التوحيدي، وأصدرنا كل الكتب المقبولة و"المرفوضة" من طرف "اللجنة"، على حساب الدار، وخصصنا ميزانية ذاتية لذلك.
وقد سبق لنا كذلك أن رفضنا المشاركة في دورة دعم 2019، احتجاجا على الطريقة التي تم بها تشكيل اللجان وتحفظنا على بعض المشاركين فيها، وراسلنا الوزارة في حينه حول الموضوع.
 
وحين تحملنا مسؤولية الكتابة العامة لاتحاد الناشرين، اقترحنا تطوير وتجويد الأداء في لقاءات مع مختلف الوزراء، وقد بدأ العمل بالفعل في تطوير الأداء، مع السيد محمد أمين الصبيحي، لكن نهاية فترة توليه الوزارة كانت بداية لكارثة حقيقية ضربت الوزارة المكلفة بالثقافة منذ مجيء الوزير محمد الأعرج، وتوالت العثرات إلى الآن.
 
أتفهّم الحسرة، التي يحس بها بعض الناشرين، الذين اعتقدوا أنهم أصبحوا في موقع "المفضَّلين"، واعتقدوا أنهم دخلوا دائرة "المَرْضي عنهم"، وأتفهَّم رد فعلهم، لكن لا يدوم كما يقول المغاربة إلا "المعقول"، حتى لا تأتي عليك دورة "الثور الأبيض"... المطلوب هو بلورة دفاتر تحملات بشكل ديمقراطي، والعمل على سيادة العدالة بين الناشرين وبين الناشر والمؤلف، والابتعاد عن استغلال النفوذ واستعمال أساليب تلغيم اللجان بالأصدقاء والموالين، وإلغاء كل أسباب التشنجات التي تحصل بعد كل إعلان عن نتائج الدعم... ولكل هذا، لابد أن يسود نظام معياري يسري على الجميع، ودون تمييز... وهذا يسري، في رأيي، على السينما وعلى المسرح وعلى التشكيل وعلى الموسيقى...
 
الفكرة واضحة، والرسالة أوضح... شكرا السي أحمد المرادي على هذه الإضاءات الأساسية، التي، كما يظهر من الإجابات، لا تتغيّى التقويض هدفا، وإنما التغيير والتجاوز والإصلاح أفقا، من خلال العمل الجماعي والمساهمة الجماعية في التصدي لكل الممارسات والعقليات، التي تعرقل نهوض واستنهاض معرض دولي للنشر والكتاب يتطلّع المغاربة أن يكون عنوانا لهم ولبلدهم وتاريخهم وقضاياهم وتعددهم ووحدتهم، أن يكون صورة لمغرب يتحرك...
 
 
السفير الصيني لي تشانغ لين مع الناشر أحمد المرادي في رواق الصين
سفير الصين لدى المغرب لي تشانغ لين حين زيارته لرواق دار التوحيدي
مع الشاعرة الباذخة علية الإدريسي البوزيدي
محمد البريني يوم توقيع روايته "زاينة" برواق دار التوحيدي
زيارة خاصة للأديب المغربي المتميز عبد الإله الحمدوشي لرواق ناشره دار التوحيدي
الفيلسوف المغربي عزيز لزرق يوقع كتابه "الحب والضيافة" برواق ناشره دار التوحيدي
صحبة اصدقاء خليجيين بمعرض الشارقة الدولي بالإمارات العربية المتحدة
اليوم الأخير بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط 2023
المحاوِر والمحاوَر