الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رحيل عبد الواحد الراضي.. شيخ البرلمانيين المغاربة الذي طلّق الفلسفة وتزوج السياسة

 
محمد الخدادي
 
توفي، اليوم الأحد 26 مارس 2023، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الواحد الراضي، في إحدى مصحات باريس، حيث كان يتلقى العلاج...
 
عبد الواحد الراضي هو، أيضا، "شيخ البرلمانيين" المغاربة، الذي لم يغادر مقعده النيابي منذ انتخابه في أول برلمان مغربي عام 1963، عن دائرة سيدي سليمان، التي ظلت تمنحه صوتها، وظل هو صوتها الدائم في البرلمان...
 
توصيف "شيخ البرلمانيين" سبق أن استعملناه، ذات "ماروك سوار"، عندما كان تولّى، وهو الأستاذ الجامعي في الفلسفة، منصب وزير العدل سنة 2007، في عهد حكومة عباس الفاسي. كتبنا مجازا: "فيلسوف على رأس وزارة العدل!".. كانت حالة جيدة، باعتبار أن الفلسفة تقوم على الصرامة المنهجية والنزاهة الفكرية، وتنشد العدالة في العلاقات الإنسانية. ثم هي مرادف للحكمة بتعريف شيخها الأكبر، سقراط.
 
الراحل عبد الواحد الراضي لدى استقباله في ماروك سوار عقب توليه حقيبة العدل
ويظهر في الصورة محمد الخدادي وبجانبه أحمد نشاطي
 
أغلب الظن أن والدته "رضت عليه" (ووالده أيضا)، بمنطق الثقافة الشعبية المغربية. ولاشك أنه فاز برضى "السياسة" لكي تمنحه صناديق الاقتراع لقب قيدوم البرلمانيين في المغرب.
 
قليلون فقط يعرفون أن عبد الواحد الراضي أستاذ جامعي للفلسفة، وتحديدا في تخصص علم النفس الاجتماعي. وبما أن الفلسفة أريد لها يوما، بفعل السياسة، أن تفلس وتقصى من الجامعة المغربية، فقد وجد ابن الغرب عزاء له في العمل السياسي.
 
بعمره البيولوجي، وأيضا بالزمن البرلماني كنائب منذ عام 1963، أصبح عبد الواحد الراضي شيخ البرلمانيين في المغرب بلا منازع، وكانت تعود إليه رئاسة جلسة الافتتاح في مجلس النواب الجديد، بحكم قانون النائب الأكبر سنا.
 
لو وُجد سجل غينس مغربي للأرقام القياسية لكان لعبد الواحد الراضي موقع فيه، فقد كان أيضا أصغر نائب برلماني ينتخب في أول تجربة برلمانية عرفها المغرب عام 1963، ومنذ ذلك التاريخ بات مقعده محجوزا في القبة التشريعية، منذ استئناف "المسلسل الديمقراطي" عام 1977. وتوج صعوده البرلماني بالوصول إلى رئاسة مجلس النواب والبقاء على رأسه خلال دورتين متتاليتين، بفضل دينامية "التناوب التوافقي".
 
ولما كان تعريف الفلسفة هو حب الحكمة، فقد استفاد الراضي من دروس جامعة السوربون الفرنسية، ليصبح حكيما في السياسة.
 
انتمى باكرا إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المنفصل عن حزب الاستقلال عام 1959، لكنه ظل في موقع الاعتدال، فلم ينصرف إلى الجناح الراديكالي للمهدي بنبركة ومحمد البصري (الفقيه)، حتى إذا وقع الفرز بين أجنحة الحزب على أساس "الخيار الديمقراطي" النابذ لـ"الخيار الثوري"، في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، وجد نفسه في موقع مريح بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 1975، وأصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب منذ المؤتمر الثالث عام 1989.
 
وعندما فسح المجال أمام محمد اليازغي، بتنحي عبد الرحمان اليوسفي عام 2003، ليصبح الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، برز الراضي في موقع رجل الإطفاء والتوافقات، في منصب نائب الكاتب الأول.
 
من الأصول العائلية، احتفظ ابن القائد الكبير في منطقة الغرب، خلال زمن الحماية الفرنسية، بقدر محترم من الثروة، في صورة أملاك وأراض وضيعات، ولعل هذا الوضع الطبقي المريح هو ما جعله يبقى بعيدا عن إغراءات الثورة، حتى أن بعض خصومه ينعتونه "بالممخزن". أما هو فلا ينكر أنه يجيد، ويحب، تقنية إطفاء الحرائق، سواء داخل حزبه أو خارجه، وقد احتفظ دائما بجسور الود مع السلطة، حتى في فترات الاحتقان السياسي، وهو الوحيد بين أبناء جيله من وجوه الحركة الاتحادية الذي لم يشتهر كثيرا بأنه ذاق للاعتقال طعما. فبعد الإضرابات الواسعة، التي قادتها نقابة حزبه الناشئة آنذاك، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عام 1979، وسجن على إثرها الكثيرون من زملائه في التعليم وفصلوا من العمل، ثم الإضراب والانتفاضة ضد غلاء المعيشة في الدار البيضاء، عام 1981، (وهو أيضا الكاتب العام السابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي، من 1968 إلى 1974)، أصبح عبد الواحد الراضي وزيرا للتعاون (1983 - 1985)، ضمن حكومة شارك فيها حزب الاتحاد الاشتراكي بمنصب وزير دولة للراحل عبد الرحيم بوعبيد. ورغم الخلاف حول طريقة التعامل مع قضية الصحراء المغربية، الذي أدخل زعيم الحزب عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي وآخرين إلى السجن، فقد عُيّن الراضي، بين عامي 1984 و1986، أمينا عاما للاتحاد العربي الإفريقي، الذي لم يعمر طويلا بين المغرب وليبيا.
 
احتفظ ابن منطقة الغرب بجذوره وبأملاكه في أرض الجدود بالبادية في ضواحي سيدي قاسم، فهو رئيس المجلس الجماعي للقصيبة منذ عام 1983، ورئيس سابق للمجلس الإقليمي للقنيطرة، عاصمة إقليم الغرب، من 1977 إلى 1992. كما شغل رئاسة جهة الغرب - الشراردة - بني حسن، من 1998 إلى 2004.
إلا أن الراضي تطبع بطباع أهل سلا، بحكم مسقط الرأس، حيث ولد عام 1935، ما وفر له الشروط لإكمال مساره الدراسي ضمن الجيل الأول من أطر مرحلة بداية الاستقلال، فأصبح رئيس شعبة الفلسفة بكلية الآداب، في جامعة محمد الخامس بالرباط، من 1968 إلى 1974.
 
وبحكم تجربته النيابية الطويلة كان طبيعيا أن يبرز على الواجهة الإقليمية والدولية، من نافذة "الدبلوماسية البرلمانية"، فترأس ما يشبه البرلمان المغاربي، مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي، من شتنبر 2001 إلى مارس 2003، وأصبح رئيسا لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، من 2001 إلى 2004، وكذا الرئيس المشارك للمنتدى البرلماني الأرومتوسطي، من أكتوبر 1998 إلى يناير 2004.
 
خبرة طويلة راكمها عبد الواحد الراضي، المدرس الذي طلق الفلسفة في منتصف الطريق، وتزوج السياسة شابا، فأخلصت له حتى سن الشيخوخة...