الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رحيل بيليه.. الساحر الأسطورة الملك الذي أذهل العالم


توفي أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه، الذي تحوّل من طفل حافي القدمين إلى أعظم اللاعبين الذين أنجبتهم كرة القدم على مر العصور، عن عمر ناهز 82 عاماً، حسب ما أعلنت عائلته، اليوم الخميس 29 ديسمبر 2022.
وكتبت ابنة  "الملك" بيليه، كيلي ناسيمنتو على إنستغرام من مستشفى ألبرت آينشتاين، حيث كان يعالج بيليه من مرض السرطان منذ شهر: "نشكرك. نحبك بلا حدود. ارقد بسلام".
وقال تقرير طبي إن اللاعب البرازيلي الأشهر توفي الساعة 3:27 مساء بالتوقيت المحلي، بسبب فشل أعضاء في جسده عن القيام بوظائفها بسبب سرطان القولون.
ونُقل بيليه إلى المستشفى في ساو باولو في 29 نوفمبر 2022 بسبب ما وصفه فريقه الطبي بإعادة تقييم علاجه الكيميائي الذي  يتلقاه منذ خضوعه لعملية جراحية لإزالة ورم القولون في سبتمبر 2021.
وأعلن مستشفى ألبرت أينشتاين قبل أيام قليلة أن سرطان القولون "تفاقم"، وأن النجم السابق بحاجة إلى "رعاية أكثر شمولاً لعلاج الفشل الكلوي وفي القلب".
وتلقى بيليه، لاعب كرة القدم الوحيد الذي فاز بكأس العالم ثلاث مرات (1958 و1962 و1970)، العديد من رسائل الدعم منذ دخوله المستشفى، بينها رسالة من النجم الفرنسي كيليان مبابي الذي دعا إلى "الصلاة من أجل الملك".
 
 
رمز رياضي عالمي
قال عنه بوبي تشارلتون إن كرة القدم ربما "اخترعت من أجله". من المؤكد أن معظم المعلقين يعتبرونه أفضل تجسيد لـ "اللعبة الجميلة".
اقترنت مهارة بيليه وسرعته المذهلة بدقة قاتلة أمام المرمى. أصبح بطلا وطنيا في موطنه البرازيل، ورمزا رياضيا عالميا. وفي خارج الملعب، قام بحملات، بلا كلل، لتحسين ظروف أكثر الناس حرمانا في المجتمع.
 
النجم الصغير
ولد إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو في 23 أكتوبر من عام 1940 في تريس كوراكوس، وهي مدينة في جنوب شرق البرازيل. تشير شهادة ميلاده إلى أنه ولد في 21 أكتوبر، لكن بيليه أصر على أن ذلك غير صحيح: "في البرازيل، لا تهتم بمسألة الدقة".
تم تسميته على اسم مخترع الكهرباء، توماس إديسون (Thomas Edison)، لأن الكهرباء وصلت إلى منزل الأسرة قبل مولده بقليل.
نشأ في فقر نسبي في مدينة باورو، وساهم في زيادة دخل الأسرة من خلال العمل بدوام جزئي في المقاهي المحلية.
علمه والده أن يلعب كرة القدم، لكن الأسرة لم تكن قادرة على شراء كرة له، لذلك غالبا ما كان بيليه الصغير يركل جوربا محشواً في الشارع.
 
اسم "بيليه"
في المدرسة، أطلق عليه أصدقاؤه لقب بيليه لأول مرة، على الرغم من أنه لم يكن لديه ولا لدى أي منهم فكرة عما يعنيه ذلك.
لم يعجبه الاسم المستعار أبدا، وشعر أنه بدا أقرب إلى "مناغاة طفل" باللغة البرتغالية.
بدأ اللعب لعدد من فرق الهواة المحلية عندما كان في سن المراهقة.
كانت كرة القدم في الصالات قد بدأت للتو في الانتشار في المنطقة، واستمتع بيليه الصغير بهذا التغيير.
قال في وقت لاحق: "كانت الكرة أسرع بكثير من كرة القدم على العشب، عليك التفكير بسرعة كبيرة".
كما قاد نادي باورو الرياضي للناشئين في ثلاث بطولات شبابية للدولة، ليثبت نفسه كموهبة مشرقة.
في عام 1956، أخذه مدربه فالديمار دي بريتو إلى مدينة سانتوس الساحلية ليختبره فريق سانتوس المحترف.
كان دي بريتو مقتنعا بالفعل بقدرات تلميذه، متفاخرا أمام مديري سانتوس بأن بيليه سيكون أفضل لاعب كرة قدم في العالم.
ارتقى بيليه سريعا وأثار إعجاب سانتوس الذي عرض عليه عقدا في يونيو من عام 1956. وكان عمره 15 عاما فقط.
 
الهداف
بعد عام، تم اختياره لفريق الكبار في سانتوس وسجل أول أهدافه المهنية العديدة في مباراته الافتتاحية.
سرعان ما حصل على مكان في الفريق وأصبح في عامه الأول هداف الدوري.
بعد 10 أشهر فقط من التوقيع كمحترف، تم استدعاء بيليه من قبل المنتخب البرازيلي.
ظهر لأول مرة على المستوى الدولي ضد الأرجنتين في ماراكانا، حيث خسرت البرازيل 2-1.
كان بيليه، البالغ من العمر 16 عاما، هو من سجل هدف البرازيل مما جعله أصغر لاعب يسجل في مباراة دولية.
بدا أن آماله في اللعب مع البرازيل في كأس العالم 1958 قد تبددت عندما تعرض لإصابة في الركبة.
لكن زملاءه ضغطوا على الإدارة لاختياره وظهر لأول مرة في كأس العالم ضد الاتحاد السوفيتي.
 
هاتريك
أصبح أصغر لاعب يسجل هدفا في كأس العالم عندما تجاوزت البرازيل ويلز في ربع النهائي.
في نصف النهائي، كانت البرازيل تتقدم 2-1 على فرنسا عندما سجل بيليه 3 أهداف (هاتريك) في الشوط الثاني ليحسم المباراة تماما لصالح منتخب بلاده.
ثم سجل بيليه هدفين في مرمى السويد في المباراة النهائية، عندما فازت البرازيل 5-2.
بالعودة إلى البرازيل، ساعد بيليه سانتوس في الفوز بالدوري عام 1958، وأنهى الموسم هدافا للدوري.
خسر فريقه اللقب في عام 1959، لكن أهداف بيليه في الموسم التالي (33 هدفا) أعادت الفريق إلى القمة.
في عام 1962، كان هناك فوز شهير على نادي بنفيكا بطل أوروبا.
وأدت ثلاثية (هاتريك) بيليه في لشبونة إلى خسارة الفريق البرتغالي، وكسبه احترام الحارس كوستا بيريرا.
قال بيريرا: "ذهبت إلى المباراة على أمل إيقاف رجل عظيم، لكنني ذهبت بعيدا في تطلعاتي، فهذا شخص لم يولد على نفس الكوكب مثلنا".
 
ثروة قومية
كانت هناك خيبة أمل في كأس العالم 1962، وذلك بعد إصابة بيليه في مباراة مبكرة، وهي الإصابة التي حرمته من اللعب بقية البطولة.
لم يوقف ذلك اندفاع الأندية الثرية، بما في ذلك مانشستر يونايتد وريال مدريد، في محاولة للتعاقد مع الرجل الذي وُصف بالفعل بأنه أعظم لاعب كرة قدم في العالم.
وتحسبا لفكرة انتقال نجمهم إلى الخارج، أعلنته الحكومة البرازيلية "ثروة قومية" لمنع انتقاله.
كانت كأس العالم 1966 بمثابة خيبة أمل كبيرة لبيليه ولبرازيل. أصبح بيليه مستهدفا وارتكبت بحقه أخطاء كبيرة (فاولات)، خاصة في مبارتي البرتغال وبلغاريا.
فشلت البرازيل في التقدم بعد الدور الأول، وكانت إصابات بيليه من التدخلات التي تعرض لها تعني أنه لا يستطيع اللعب في أفضل حالاته.
في الوطن، كان سانتوس في حالة تدهور، وبدأ بيليه في تقديم مساهمة أقل لفريقه.
 
أعظم فريق
في عام 1969، سجل بيليه هدفه رقم ألف في مسيرته الكروية. وقد أُصيب بعض المشجعين بخيبة أمل، فقد كان ذلك الهدف من ركلة جزاء وليس أحد أهدافه المثيرة.
كان يقترب من سن الثلاثين، وكان مترددا في الالتزام باللعب للبرازيل في كأس العالم 1970 في المكسيك.
كما كان عليه أن يخضع لتحقيق من قبل الدكتاتورية العسكرية لبلاده، التي اشتبهت في تعاطفه مع اليسار.
في النهاية، سجل 4 أهداف فيما كان من المقرر أن يكون آخر ظهور له في كأس العالم، كجزء من فريق برازيلي يعتبر أعظم فريق في التاريخ.
أكثر اللحظات شهرة جاءت في مباراة المجموعة ضد إنجلترا. بدت كرته الرأسية متجهة للشباك عندما نجح جوردون بانكس في "إنقاذ القرن"، حيث قام حارس مرمى إنجلترا بطريقة ما بحرف الكرة خارج الشباك.
على الرغم من ذلك، فإن فوز البرازيل 4-1 على إيطاليا في النهائي ضمن لهم كأس جول ريميه إلى الأبد لفوزهم بها ثلاث مرات، وقد سجل بيليه هدفا بالطبع.
جاءت آخر مباراة له مع البرازيل في 18 يوليوز من عام 1971 ضد يوغوسلافيا في ريو، واعتزل كرة القدم في الأندية البرازيلية في عام 1974.
بعد ذلك بعامين وقع عقداً مع نيويورك كوزموس، وقد أدى اسمه وحده إلى رفع مستوى كرة القدم في الولايات المتحدة بشكل كبير.

سفير
في عام 1977، واجه ناديه القديم سانتوس فريق نيويورك كوزموس في مباراة بيع فيها عدد كبير من التذاكر بمناسبة اعتزاله، وقد لعب شوطا مع كل جانب.
يُعد بيليه بالفعل أحد أعلى الرياضيين أجرا في العالم، واستمر في كونه آلة لكسب المال بعد تقاعده.
انخرط في التمثيل، حيث ظهر إلى جانب سيلفستر ستالون ومايكل كين في فيلم الهروب إلى النصر في عام 1981.
كان لديه عدد من اتفاقات الرعاية، ولا يزال اسمه يحظى بصدى كبير في جميع أنحاء العالم.
وفي عام 1992، تم تعيينه سفيرا للأمم المتحدة للبيئة، ثم عُين في ما بعد سفيرا للنوايا الحسنة لليونسكو.
بعد 5 سنوات، حاز رتبة الإمبراطورية البريطانية من طبقة فارس في حفل أقيم في قصر باكنغهام.
لعب دورا رائدا في محاولات إنهاء الفساد في كرة القدم البرازيلية، على الرغم من أنه ترك دوره في اليونسكو بعد اتهامه بممارسات فاسدة، ولم يكن هناك دليل على الإطلاق على ذلك.
وقد لعب دورا رئيسيا في عرض ريو دي جانيرو الناجح لدورة الألعاب الأولمبية لعام 2016، كما ظهر في الحفل الختامي لدورة ألعاب لندن 2012 التي شهدت تسليم الشعلة الأوليمبية إلى ريو.
في عام 2005 حصل على جائزة الإنجاز مدى الحياة في فعالية شخصية العام الرياضية التي تنظمها بي بي سي.
تزوج بيليه من روزماري دوس ريس شولبي في عام 1966، وأنجب الزوجان ابنتين وابن، وقد انفصلا في عام 1982 بعد أن ارتبط بيليه بعارضة الأزياء والنجمة السينمائية شوشا.
تزوج للمرة الثانية من المغنية آشوريا ليموس سيكساس، وأنجبا توأما، لكنهما انفصلا في ما بعد.
في عام 2016، تزوج من مارسيا سيبيلي أوكي، وهي سيدة أعمال يابانية برازيلية، التقى بها لأول مرة في عام 1980.
 
علامة تجارية عالمية
يتم التعرف على اسم بيليه على الفور من قبل أولئك الذين ليس لديهم اهتمام أو معرفة بكرة القدم.
حتى أنه قال مازحا ذات مرة أنه لا يوجد سوى 3 علامات تجارية عالمية حقا: جيسوس وكوكا كولا وبيليه.
لقد كان من الشخصيات النادرة التي تجاوزت رياضتها لتصبح شخصية معروفة في جميع أنحاء العالم.
في وقت لاحق من حياته، كافح للتغلب على آثار جراحة في الورك، فبات يظهر على كرسي متحرك وغالبا ما يكون غير قادر على المشي.
ولكن في أوج حياته، كانت رياضته تجلب المتعة للملايين. وقد أكسبته موهبته الفطرية احترام زملائه وخصومه على حد سواء.
فقد رفض المهاجم المجري العظيم فيرينك بوشكاش حتى تصنيف بيليه على أنه مجرد لاعب. قال: "كان بيليه فوق ذلك".
لكن نيلسون مانديلا هو الذي لخص بشكل أفضل ما جعل بيليه نجما مثله.
فقد قال مانديلا عنه: "مشاهدته وهو يلعب هي مشاهدة فرحة طفل ممزوجة بالنعمة غير العادية لرجل".