الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

على هامش تحركات الائتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام.. من أجل إعدام العقوبة البشعة

 
محمد الخدادي
 
 
يتحرك هذه الأيام الائتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام، بقيادة النقيب عبد الرحيم الجامعي، لإقناع الأحزاب الممثلة في البرلمان بدعم مذكرة تطالب بإلغاء هذه العقوبة البشعة من القانون الجنائي المغربي "تفعيلا لمقتضيات الدسْتور وانتصارا للحَق في الحَياة، ومن أجل قانُون جنائي مغربي إنسَاني، وموقع دبلوماسي وسياسي متميز جدير بالمغرب إقليميا ودوليا".
من باب المفارقة، أن المغرب كان يبدو سائرا نحو إلغاء عقوبة الإعدام قبل دستور 2011، الذي نص على أن "الحق في الحياة هو أول حقوق كل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق"، فإذا بهذا الأمل ينطفئ في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية.
ومع ذلك، يسجل للمغرب عدم تطبيق هذه العقوبة المقيتة منذ سنة 1993، وتقليص حالات الحكم بها في القانون الجنائي، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مستوى المبدأ الدستوري حول حماية الحق في الحياة.
وكل تبرير للعقوبة بالجانب الشرعي لا يستقيم، فقانون القصاص وُجد أصلا لدى السومريين في شريعة حمورابي، في القرن 18 قبل الميلاد، وانتقل إلى التوراة.
وعقوبة الإعدام في المغرب لا تستند إلى أساس ديني، بل تخضع للقانون الجنائي كما تحدد في عهد الحماية الفرنسية.
كما أنه لا وجود لعقوبة الإعدام في التراث الأمازيغي المغربي، حتى في قضايا القتل، إذ كانت "الجماعة" تحكم بالتعويض (الدية) لأهل القتيل، ونفي القاتل إلى خارج المنطقة لمدة معينة، حقنا للدم وتفاديا للثأر.
وكذلك التحجج بمسايرة وعي المجتمع وعدم الاصطدام معه، فهو طرح لا يستقيم، إذ يفترض في النخبة الفكرية والسياسية أن تجذب المجتمع إلى الأمام، لا أن تسايره في جموده، فالمجتمع لم يكن مقتنعا بكثير من المستجدات في مدونة الأسرة، وتزعّم تيار الإسلام السياسي معارضتها، قبل أن يحصل توافق بشأنها.
ولم يكن من باب الصدفة أن أغلب الإعدامات التي نفذت في المغرب منذ الاستقلال كانت في قضايا ذات طابع سياسي، بما يطرح إشكالية تسخير القضاء من طرف السلطة ضد معارضيها.
وفي الدولة الحديثة، القائمة على مبدأ العقد الاجتماعي، كما تبلور في الفكر السياسي بأوروبا خلال القرن الثامن عشر، تنفرد مؤسسة الدولة باحتكار فعل العنف، تمارسه عند الاقتضاء، باسم المجتمع، ضد فرد أو جماعة أخلت بمبدأ هذا التعاقد.
فالدولة هي التعبير الأسمى عن العقل، بتعبير الفيلسوف الألماني هيغل، فكيف لها أن تمارس الانتقام بقتل فرد؟
ويوجد فرق جوهري بين أن يرتكب فرد جريمة قتل، وبين أن تتعبأ الدولة بأكملها لقتل فرد، بينما هي تملك كل الوسائل الكفيلة بـ"كفّ شره" عن المجتمع من غير أن تلجأ إلى العقوبة المقيتة.
وتركز المنظمات الحقوقية والقوى المناهضة للإعدام عبر العالم على لا جدوى هذه العقوبة كوسيلة للردع وتقليص نسبة الإجرام.
إلا أن المسألة تنطوي على قدر من الحساسية والتعقيد، في ظل الموروث الثقافي لمفهوم العقاب، إذ تطرح المقارنة بين حياة القاتل والضحية من زاوية يربطها علم النفس الاجتماعي بغريزة الخوف ورغبة الانتقام لدى الجماعة إزاء الجاني الذي يعتبر خارجا على العقد الجماعي الضمني، ويشكل، بالتالي، خطرا كامنا على سلامة المجتمع.
على مستوى القيم، يستند العمل على إلغاء عقوبة الإعدام إلى مبدأ الدفاع عن الطابع المقدس للحياة الإنسانية، وحول هذا المبدأ العام والسامي يمكن أن تلتقي القوانين الوضعية والتشريعات الدينية من باب السعي إلى صيانة الكرامة الإنسانية بالتعبير الحقوقي، أو دفع الضرر بصيغة الفقه الإسلامي، لأن إعدام شخص بخطـأ قضائي لا يمكن التراجع عنه بعد تنفيذه.
أما الدول المتشددة في تطبيق الإعدام فتقدم أفضل مثال سيء، مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، وإيران والصين، حيث لا يؤدي الإعدام إلى وقف الجرائم المسببة له، وعلى العكس من ذلك، لم تزد جرائم القتل في البلدان التي تخلت عن هذه العقوبة، مثل فرنسا، التي ألغتها باستفتاء شعبي، غداة انتخاب الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران سنة 1981. (مع استثناء الجرائم الإرهابية، التي تندرج في سياق آخر، ويرتكبها منفذوها باسم الدين).
وفي المغرب، يتزامن اليوم العالمي ضد عقوبة الإعدام مع اليوم الوطني للمرأة (10 أكتوبر)، وهذه جبهة أخرى للحركة النسائية والحقوقية وعموم القوى الديمقراطية، في أفق ترسيخ دولة الحق والقانون وكرامة الإنسان.
 
 
طريقة تنفيذ الحكم بالإعدام في المغرب
وزير العدل يحدد المكان ويأمر بإطلاق الرصاص
 
يخضع تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب لإجراءات مسطرية خاصة، فمباشرة بعد النطق بالحكم النهائي من طرف غرفة الجنايات في محكمة الاستئناف حيث جرت المحاكمة، يقدم طلب فوري بالعفو، ويعامل السجين المحكوم بالإعدام بطريقة ينظمها القانون، كما يجري التنفيذ حسب إجراءات محددة، ويمارس رميا بالرصاص، بعد أن يصدر وزير العدل قرار التنفيذ.
بعد صدور حكم الإعدام واستكمال المسطرة القضائية في موضوع المحاكمة، توجه النيابة العامة لدى المحكمة التي أصدرت الحكم إخبارا إلى وزير العدل عن طريق مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، ويجب على النيابة العامة أن تهيء تلقائيا طلبا للعفو دون أن يعني ذلك أن تلتمس النيابة العامة في مستنتجاتها قبول طلب العفو، لأن الهدف من الطلب هو عرض العقوبة على لجنة العفو ليتخذ فيها جلالة الملك قراره حتى ولو لم يطلب ذلك المحكوم عليه أو عائلته. كما ينص القانون على أن تدعو النيابة العامة دفاع المحكوم عليه بالإعدام إلى إيداع مذكرة لتدعيم طلب العفو، إذ لا يمكن تنفيذ الحكم إلا بعد أن يرفض طلب العفو، والذي لا يبلغ إلا لمحامي المحكوم عليه الذي قدمه باسم موكله. ولأسباب إنسانية لا يبلغ الرفض للمحكوم عليه.
يصدر أمر التنفيذ عن وزير العدل بعد طلب للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، ويبقى مكان التنفيذ سريا، وذلك طبقا للفصل 19 من القانون الجنائي الذي ينص على أن «عقوبة الإعدام تنفذ رميا بالرصاص، وذلك بأمر وزير العدل وبسعي من رئيس النيابة العامة بمحكمة الاستئناف، ويقع التنفيذ داخل السجن الذي يقضي المحكوم عليه به عقوبته، أو في أي مكان آخر يعينه وزير العدل ، وذلك بحضور رئيس المحكمة وعضو من النيابة العامة وأحد قضاة التحقيق وأحد كتاب الضبط بمحكمة المكان الذي يقع به مكان التنفيذ".
كما يحضر إلى جانب المحكوم عليه مدير السجن ورجال الأمن الوطني وطبيب السجن وإمام وعدلان، ولا يسمح للصحافة أن تنشر أي بيان أو مستند يتعلق بالتنفيذ عدا المحضر المذكور وإلا تعرض المخالف لغرامة.
في جميع الأحوال تنفذ عقوبة الإعدام رميا بالرصاص بأمر من وزير العدل وبمبادرة من الوكيل العام للملك الذي يلتمس من السلطات العسكرية إنجاز هذا الإجراء، والوكيل العام للملك لدى المحكمة التي أصدرت الحكم هو الذي يتكلف بذلك.
كما يلزم القانون كل الأشخاص المذكورين على سبيل الحصر في الفصل 19 من القانون الجنائي أن يحضروا تنفيذ الحكم بالإعدام، ولا يمكن أن يحضره سواهم. ولا يكون التنفيذ عموميا كما هو الحال في العديد من البلدان، وإنما يكون داخل المؤسسة التي كان المحكوم عليه مسجونا بها أو في أي مكان آخر يحدده وزير العدل، والذي غالبا ما يكون أحد ميادين الرماية.
وجرى تنفيذ عدد من أحكام الإعدام بالمغرب في مكان بغابة المهدية، قرب مدينة القنيطرة، حيث يوجد السجن المركزي، مكان اعتقال المحكومين بالإعدام.
إلا أن الفصل 20 من القانون الجنائي يخول لوزير العدل اتخاذ قرار لتنفيذ حكم الإعدام في مكان عام عند الاقتضاء، وذلك بهدف ردعي أو "تربوي"، إذا جاز القول، من باب العبرة لمن تسول لهم أنفسهم اقتراف بعض الجرائم، إلا أنه لم يسبق أن طبق هذا النص في المغرب، إذ نفذت كل الأحكام بطريقة سرية، حسب الإجراءات السالفة الذكر.
توجد أيضا حالات استثنائية في تنفيذ حكم الإعدام، مل حالة المرأة الحامل، إذ يؤجل تنفيذ الإعدام في حقها إلى حين وضع حملها بأربعين يوما على الأقل، حسب الفصل 21 من القانون الجنائي، لكن في واقع الأمر، ولأسباب إنسانية لا تمثل تمثل المرأة الحامل أمام غرفة الجنايات إلا بعد الوضع.
بعد التنفيذ تسلم جثة المحكوم عليه لعائلته في حال ما إذا طلبت ذلك، إلا أن القانون فرض عليها الالتزام بدفنه في غير علانية، وإن كان القانون لا يمنع إلا مظاهر الاحتفال بالدفن والمظاهرات العمومية، فإذا كان متوقعا حدوث مثل هذه الحالات يمكن للسلطة العامة أن تمنع تسليم جثمان المحكوم عليه إلى أهله وأن تتولى عملية الدفن.
ويعلق على باب السجن الذي نفذ فيه حكم الإعدام محضر يحرر إجبارا وفورا من طرف كاتب الضبط بشأن التنفيذ، ويوقع المحضر رئيس الغرفة الجنائية أو من ينوب عنه، وأيضا بحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط. ولا تتجاوز مدة تعليق المحضر الحرر حول التنفيذ أربعة وعشرين ساعة. كما يمنع القانون نشر أية وثيقة أو أية بيانات تتعلق بتنفيذ حكم الإعدام، ويتعرض المخالف لغرامة تتراوح بين 200 درهم و20 ألف درهم. ويعاقب بنفس العقوبة عند نشر أو إذاعة رأي لجنة العفو أو قرار جلالة الملك المتعلقين بالعقوبة، وذلك طبقا للفصل 652 من قانون المسطرة الجنائية.
 
 
تعددت الأساليب في الزمان والمكان والإعدام واحد
سياف يفضل المسدس كي لا يرى رقبة المرأة
 
اختلفت طرق الإعدام عبر العصور والأمكنة، وذلك تبعا للقيم السائدة، إلى أن بات الاتجاه العام السائد في العالم هو إلغاء عقوبة الإعدام، كما هو الشأن حاليا في مجموع الدول الخمسة والعشرين المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي
وبشأن اشكال التنفيذ حددت دراسة سابقة لمنظمة العفو الدولية المناهضة لعقوبة الإعدام، والتي يوجد مقرها في لندن، سبع طرق رئيسية للإعدام في العالم، تتراوح بين الرمي بالرصاص والشنق وقطع الرقبة بالسيف، واستعمال الكهرباء والمواد الكيماوية. وفي السعودية ينسب إلى سياف سابق أنه يفضل قتل المرأة بالمسدس تفاديا لرؤية رقبتها باعتبارها "عورة".
- الرمي بالرصاص: هي الأكثر استخداما في فترات الحروب، وتطبق على العسكريين خاصة، وهذا الأسلوب يطبق في عدد الدول مثل المغرب والبحرين والصين الشعبية وكوريا الشمالية وتايلاند وإندونيسيا وأرمينيا وفيتنام.
- الشنق: أكثر الوسائل استخداما في العالم، كما هو الشأن في إيران وكوريا الشمالية وسنغافورة والهند وباكستان وليبيا ومصر وسوريا.
- الحقنة المميتة: تجري هذه العملية من خلال الحقن بمادة سامة في الوريد تؤدي إلى الموت السريع، وهي تقنية تستخدم في الصين الشعبية والفلبين والولايات المتحدة الأمريكية.
-الرجم: عملية تطبق خاصة في الدول العاملة بالشريعة الإسلامية، وتهم عادة الجرائم الجنسية في حق النساء والرجال على حد سواء. وجاء في قانون الجنايات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بخصوص هذه العقوبة «يجب أن لا تكون الحجارة كبيرة بحيث يموت المحكوم عليه من الضربة الأولى أو الثانية، ولا أن تكون صغيرة بحيث لا يصح أن تسمى حجارة».
- ضرب العنق: وهو الأكثر استخداما في الدول العاملة بالشريعة الإسلامية، وخاصة في المملكة العربية السعودية وبعض مقاطعات المناطق الإسلامية في نيجيريا. وحسب شهادة لسيّاف سعودي يدعى سعـيد بن عبد الله بـن مبروك البيشي فقد قال بهذا الخصوص: "أستخدم السيف في قتل المجرمين من الرجال. وأستعمل الأسلحة النارية، وبالذات المسدس، في قتل النساء المجرمات. هذا في نظري حكم سديد، من دواعيه ستر عورة المرأة، باعتبار أن القتل بحد السيف يستدعي رفع الغطاء عن الرأس وإظهار الرقبة وجزء من الظهر دون غطاء".
- غرفة الغاز والكرسي الكهربائي: تطبق هاتان الطريقتان في الإعدام في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعرض المحكوم لاستنشاق غاز سام قاتل يطلق في غرفة مغلقة، أو يثبت إلى كرسي ويتعرض لشحنة كهربائية صاعقة. وفي حالات كثيرة اشتعلت النار في رأس المحكوم بالإعدام.
وفي الماضي تفنن الإنسان في اختراع أساليب الإعدام، فكان الحرق في محاكم التفتيش المسيحية بأوروبا خلال القرون الوسطى، وربط أطراف المحكوم عليه إلى حصانين يجريان في اتجاهين معاكسين لتقطيع أوصاله.
أما الأتراك العثمانيون فقد اخترعوا الخازوق، وهو، كما عالجته أعمال أدبية، عبارة عن منصة خشبية يتوسطها عامود حاد في الأعلى ويزيد محيطه في اتجاه الأسفل. يجري إدخال الرأس الحاد للعامود في دبر المحكوم بالإعدام ويثبت فوقه جالسا، وبفعل ثقل الجسم ينفذ العامود ببطء إلى الأحشاء، إلى أن يخترق الجسد كله ويبرز الرأس الحاد بين الكتفين.
استعملت فرنسا المقصلة في تنفيذ الإعدام من الثورة الفرنسية عام 1789 إلى حين إلغاء هذه العقوبة عام 1981، غداة انتخاب الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران. وهي منصة تتوفر على لوح أفقي يسجى فوقه المحكوم وتربط إلى أطرافه بحيث تقع الرأس في خانة توجد تحت سكة تنزل عبرها قطعة حديدية حادة النصل على الرقبة وتفصل الرأس التي تقع في سلة معدة لهذا الغرض.
بعد إلغاء عقوبة الإعدام أدخلت المقصلة إلى المتحف وأطلق عليها الفرنسيون اسم الأرملة.