الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

المغاربة ومسلسلات رمضان المصرية والبروباغاندا

 
عبد الله ترابي
 
أتذكر عندما كنت طفلا، كان في بيتنا شريطا فيديو (VHS)، كنا نشاهدهما مرارا وتكرارا، حتى تعطلا: الأول هو فيلم عمر المختار والثاني Rocky4. كان البطلان، رغم أن الأول شخصية تاريخية والثاني محض خيال، يخلقان حالة من التعاطف معهما داخل البيت، فكنا نفرح لانتصاراتهما ونتأثر عند موت أو هزيمة أحدهما.
 
وأذكر كيف كنت أكره الروس والاتحاد السوفياتي، وأنا طفل، للشر الذي كان يتسم به الملاكم الروسي دراكو، وكيف كنت أمقت الجنرال الإيطالي كرازياني وهو يراقب إعدام عمر المختار ببرودة...
 
كبرت، وأدركت أن الشريطين، مع الاختلاف بينهما، هما بروباغندا ودعاية سياسية. الأول موّله بسخاء الرئيس معمر القذافي، والثاني كان جزءا من الحرب الباردة والبروباغندا الأمريكية ضد الاتحاد السوفياتي قبل انهيار هذا الأخير.
 
مع مرور السنين، أدركت أن تحفا سينمائية، مازلت أعشقها وأضعها على رأس قائمة اختياراتي، هي في عمقها أفلام بروباغندا، مثل (Casablanca وLe Cuirassé Potemkin وLa Bataille d’Alger والناصر صلاح الدين... وغيرها). فتاريخ السينما (والأعمال الدرامية التلفزية) مرتبط أساسا بالدعاية السياسية والإيديولوجية وتحولات الأنظمة والمجتمعات.
 
لماذا كل هذه المقدمة؟ المناسبة هي مسلسلات رمضان، وخصوصا المصرية منها، التي تقدم في السنوات الأخيرة تصورا معينا لدور الدولة، ولأشكال التدين، وللعلاقة مع الحركات الأصولية، وللتاريخ القديم والمعاصر من قبيل مسلسلات الاختيار وجزيرة غمام وممالك النار وبطلوع الروح وفاتن أمل حربي... في نظري، كل هذه المسلسلات فيها دعاية وبروباغندا، معظمها متميز جدا فنيا وناجح من ناحية الكتابة والأداء، ولكن ما يجمع بينها هو هدف واحد: إرجاع المارد الأصولي إلى قمقمه وتشكيل مخيال جديد لدى مجتمعات المنطقة حول التدين ومواجهة أحزاب وحركات الإسلام السياسي بأنواعها، مع تقديم نموذج جديد للشيخ والفقيه والمسلم الورع، متسم بالاعتدال والوسطية والتصوف السني، لا يتدخل في السياسة ولا يهتم بها.
 
الدول التي تقوم بذلك، إنتاجا وتمويلا، هي نفسها التي ساهمت خلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات في خلق المارد الأصولي، الذي تريد أن ترجعه إلى قمقمه الآن وهي من شكلت وخلقت مخيالَ وقناعاتِ ملايين من الناس في العالم العربي والإسلامي، وأثرت على سلوكاتهم ولباسهم وتوجهاتِهم، عبر المسلسلات والبرامج التلفزية والمناهج التعليمية ونماذج الفقهاء والدعاة، الذي هيمنوا على القنوات الفضائية (نموذج عمرو خالد، الذي ساهم في ظاهرة تحجب عامة عند الفتيات بداية هذا القرن، قبل أن يخفت نجمه).
 
المسلسلات الدينية والتاريخية، التي كنا نشاهدها، ونحن أطفال ومراهقون، كانت أدوات دعاية في يد تلك الدول في مواجهة خصوم تلك الفترة وخصوصا الأحزاب والحركات اليسارية من جهة، والنظام الإيراني من جهة أخرى. من يتذكر بعض مسلسلات وأفلام تلك الفترة (كمسلسلات لا إله الا الله، عصر الأئمة، الوعد الحق...)، سيعرف كيف أنها لم تكن تختلف في عمقها عن أفكار ومقولات الحركات الأصولية من قبيل تقديمها لتاريخ مثالي وأسطوري للعصور الأولى للإسلام، وأنها كانت متماهية مع الخط العقدي السلفي لبعض الأنظمة في دول الخليج، والتي بدأت هذه الأخيرة في التخلي عنه والسير في اتجاه آخر، تروج له عبر المسلسلات والأفلام، التي تنتجها حاليا، وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل جديد.
 
السؤال الآن: أين نحن من كل هذا كمغاربة، وهل سنبقى متلقين ومتلقفين وملاحظين فقط؟ لسوء الحظ، ليس هناك جواب في آخر الحلقة!