للتواصل معنا
البريد الإلكتروني: [[email protected]]
سامية البحري تحاور عبد النبي الشراط: 4- في الحاجة إلى نظام علماني يضمن العدل للناس أجمعين
رابط الجزء الأول من الحوار
رابط الجزء الثاني من الحوار
رابط الجزء الثالث من الحوار
في هذا الجزء الرابع والأخير من الحوار المطوّل، تناقش الشاعرة والناقدة التونسية سامية البحري، مع الإعلامي والكاتب المغربي عبد النبي الشراط، العديد من القضايا، التي تستأثر بانشغالات الرأي العام العربي والإسلامي، تعود لمناقشة منطلقات التنظيمات الإرهابية، وكيف يراها الشراط، وهل تمثّل الإسلام أم لا، وأين يوجد جوهر الإشكال، وكيف يرى أنه يجب الحسم نهائيا مع ثنائية (مؤمنين كافرين) في اتجاه إقامة نظام علماني يضمن العيش المشترك لجميع الناس، فضلا عن قضايا أخرى خاصة، من قبيل دار الوطن للنشر، التي أسسها في سنة 2000، والمرأة في حياة الشراط، وقضايا التطبيع وفلسطين وإسرائيل... لنتابع...
سامية البحري: ابن تيمية سبب كل بلية، هو المنبع الذي تستقي منه الحركات الوهابية، التي أساءت للدين، وتاجرت بكل القيم... كيف تقرأ هذا الموقف؟
عبد النبي الشراط: المسلمون حينما أغلقوا باب الاجتهاد على أنفسهم أصبحوا عميانًا لا يرون الدنيا كما هي، ولا يعرفون الآخرة كما ستكون، إنني في القرن الواحد والعشرين لا يمكن لي أن أعتمد على فتوى بشرية أصدرها فقيه أو شيخ توفاه الله منذ قرون خلت، وحتى إذا كانت تلك الفتوى صالحة لزمن الشيخ أو الفقيه، فحتما أنها لن تصلح لي في هذا العصر، وأنا أعتقد أن جميع الأئمة، رحمهم الله، لو أعيدوا للحياة لغيّروا آراءهم الفقهية جملة.. لكن المشكل فينا نحن الذين نتمسك بفتاوى فقهية مرت عليها قرون من الزمان.. المشكلة، في رأيي، في الخلَف وليس في السلف، لكنني أرى أن هذا السلف، مع الأسف الشديد، أصبح فقهاؤه يعبدون من دون الله، وأرى الحل الوحيد في إعادة قراءتنا للقرآن الكريم من جديد.
نحن الآن كمسلمين حينما نشاهد ممارسات داعش وطالبان وغيرهما من التنظيمات الإجرامية سرعان ما نتبرأ منها ونقول للعالم إن هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام، لكن مع الآسف نحن نكذب على العالم، ونكذب على الله، وعلى أنفسنا، لأن هؤلاء لهم علاقة بالإسلام، ولا يمكن لأحد أن يقول إنهم غير مسلمين، حتى شيخ الأزهر والكثير من فقهائنا المعاصرين رفضوا تكفيرهم بداعي أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله ويشهدون أن محمدا رسول الله، فكيف يفتون بكفر هؤلاء؟
نحن كمسلمين حينما نشاهد ممارسات داعش وطالبان وغيرهما من التنظيمات الإجرامية سرعان ما نتبرأ منها ونقول للعالم إن هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام، لكن مع الآسف نحن نكذب على العالم وعلى الله وعلى أنفسنا، حتى شيخ الأزهر والكثير من فقهائنا المعاصرين رفضوا تكفيرهم
لكن ما هو الإسلام الذي يعتمده هؤلاء القتلة والمجرمون؟ إنهم يتبنّون إسلام التراث ودين التراث وإيمان التراث ولم يأتوا بشيء من عند أنفسهم، والدين التراثي، الذي يعتقد به هؤلاء هو نفس التراث الذي يحاججنا به قوم آخرون من غير المسلمين، وعلى سبيل المثال حينما أصدر الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي روايته الشهيرة (آيات شيطانية) في ثمانينيات القرن الماضي، وأصدر الخميني فتوى بقتله، فإن سلمان لم يأتِ بشيء من خياله، بل اعتمد على التراث/ تراثنا طبعا، لأننا نحن من ندافع عن هذا التراث، ونحن من ندين به، ونحن من نقدسه، ثم إذا انتقد غيرُنا هذا التراث نهاجمه.. وإذا ما فعل أحد منا أفعالا لا يقبلها الفكر الإنساني والعقل الإنساني السوي نسارع إلى استنكارنا لتلك الأفعال، التي قامت بها مجموعة محسوبة على أمة الإسلام.. فهل هناك نفاق أكثر من هذا؟ نستنكر داعش وطالبان ولا نستنكر ما تحفل به كتب تراثنا من (آيات شيطانية)! إن مصائبنا كلها في التراث، والتراث ليس كتابا أو كتب الله، بل هي أقوال بشر مثلنا لكننا اتخذنا منهم أحبارا ورهبانا ونعبدهم من دون الله، وإذا كان السامري على عهد النبي موسى عليه السلام صنع عجلا من ذهب، فنحن صنعنا الكثير من العجول الآدمية ونخصها بالتقديس والعبادة من دون الله الواحد. وعصر العجول هذا يجب أن ينتهي، ولكن كيف ننهيه؟
لا شك أننا نتوفر على كتاب كريم محكم هو القرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.. وهو الكتاب الوحيد الذي يجب أن نقرأه من جديد ونتدبر آياته الكبرى ونعلن تعايشنا مع كل الناس، مؤمنين بهذا القرآن أو غير مؤمنين به، لأن الذين لا يؤمنون بديننا إنما خلقهم الله أيضا، ولا شأن لنا بعقائدهم ومللهم ونحلهم، لأن الله وحده هو المسؤول الأول والأخير عن حساب خلقه، أما نحن فمجرد جزء من هذا الخلق.
يجب علينا، قبل كل شيء، أن ننهي علاقتنا بثنائية (المؤمنين والكافرين)، والحل الوحيد هو إيجاد نظام علماني نظيف يضمن للناس، كل الناس، حرياتهم في الاعتقاد والممارسات الإيمانية، وعلينا ألا نحلم بدولة الخلافة لأنها لم تكن أصلا في التاريخ، لكننا نحن صنعناها في خيالنا وأوهامنا، وأحطناها بسياج حديدي ومنعنا الناس من التفكير في اقتحام هذا السياج الوهمي والخرافي، لأن كل الناس معرضون للنقد والمساءلة، ولا فضل لهذا على ذاك إلا بالعمل الصالح الذي ينفع الإنسانية (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
سامية البحري: تراثنا حافل بالمآسي ومدجج بالكوارث، وهناك الكثير من الاجتهادات لوثت القرآن الكريم وحرّفته وأنتجت عديد المذاهب، التي أصبحت بمثابة الديانات المصغرة ضمن الدين الأكبر.. كيف يقرأ الشراط هذا التراث لاسيما أنه قد تلقى تعليما دينيا بالأساس؟ ثم ماذا لو ألغينا كل تلك المذاهب وأبقينا على النص المقدس فقط، هل يستقيم حال العرب والمسلمين؟
عبد النبي الشراط: المذاهب لا يمكن الاستغناء عنها لأنها تنتج فكرا، ولولا المذاهب لما كانت هناك أفكار.. لكن، كما سبق الذّكر، قلت إننا يجب أن نتعامل مع الاختلاف بروح العصر، كما يجب إدارة هذا الخلاف وتدبيره والقبول بمختلف الآراء، فقهية كانت أو سياسية أو غيرها.. أما عن التراث، فأنا أشبّهه دائما بالمآثر التاريخية، التي يجب أن تخضع دائما للترميم والإصلاح، وتراثنا بئيس في أغلبه، ولذلك يجب ترميمه وإصلاحه، وليس التراث كله فاسدا.. وحينما نقول إن القرآن الكريم وحده يكفي يتهموننا بالكفر والإلحاد، وهذه هي مأساة التراثيين.. الذين يعبدون العجل..
سامية البحري: المذنب عبد النبي الشراط قرر أن يضاعف ذنوبه وأن يدعمها فأسس دار الوطن للطباعة والنشر لتكون التحدي الأكبر في المنطقة العربية والحضن لكل مذنب، حتى يخرج إلى النور.. كيف كانت انطلاقة الدار، وهل وجدت دعما ماليا أو معنويا من الدولة أو الجمعيات أو الأحزاب، وهل وجدت معارضة وملاحقة بسبب بعض العناوين؟
عبد النبي الشراط: دعيني أولا أحكي لك قصة (المذنبين والمذنبات).. في صيف سنة 2018، وأنا في الرباط، اتصلت بي سيدة من العائلة طلبت مني أن أعمل أي شيء لإنقاذ امرأة في منطقتنا من الموت، فماهي القصة؟
يجب علينا، قبل كل شيء، أن ننهي علاقتنا بثنائية (المؤمنين والكافرين)، والحل الوحيد هو إيجاد نظام علماني نظيف يضمن للناس، كل الناس، حرياتهم في الاعتقاد والممارسات الإيمانية، وعلينا ألا نحلم بدولة الخلافة لأنها لم تكن أصلا في التاريخ، لكننا نحن صنعناها في خيالنا وأوهامنا
هذه سيدة شبه مختلة عقليا، وحيث إنه لا يوجد من يحميها وتقيم مع أمها العجوز فقط، فقد استغلها شباب المنطقة جنسيا وبشكل حيواني وبشع وعلى مدى سنوات، وبالرغم من أنني نبّهت السلطة المحلية بمنطقتنا (تافرانت) قبل عشر سنوات من الواقعة، إلا أن أحدا لم يسمعني.. وظلت السيدة تتعرض للاغتصاب المتكرر على مدى سنوات عديدة كانت النتيجة أن أنجبت 7 أو 8 أطفال مجهولي الآباء... وخلال صيف 2018، كانت حاملا بجنين جديد، وبما أن الأطفال الذين أنجبتهم لا معيل لهم إلا بمساعدات الناس الخيرين، فقد قررت أن تتخلص من الجنين الجديد عن طريق عملية إجهاض تقليدية، فصارت تنزف دما لمدة قاربت عشرة أيام دون أن يلتفت إليها أحد.. عندما اتصلت بي السيدة، كان يوم أحد، وهو يوم عطلة في المغرب، وشهر أغسطس أيضا شهر العطلة السنوية في المرافق العامة، فماذا عساي أن أفعل؟ كان سلاحي الوحيد هو التلفون ووسائط التواصل الاجتماعي، حيث وجهت نداءات لبعض رؤساء الجماعات المحلية هناك لتوفير سيارة إسعاف ونقل السيدة للمشفى بغرض إنقاذ حياتها.. لا أحد استجاب باستثناء رئيس مجلس بلدية غفساي، الذي وضع سيارة الإسعاف رهن إشارتنا، لكن اشترط أن ننقل السيدة على حسابنا من المدشر (قرية نائية) إلى المركز. فتطوّع مواطن بسيارته وتم نقل المريضة بعدها مباشرة لمستشفى بفاس، حيث أكدت الطبيبة أنها كانت ستفارق الحياة لو تأخرت بنصف ساعة.. حدث كل هذا بين الساعة الرابعة مساء والواحدة صباحا، حيث كانت السيدة داخل المشفى وبرعاية طبية كبيرة.. كنت أتواصل مع كل الجهات بدون استثناء، وكلفنا سيدة من فاس للإشراف على حالتها وتقديم كافة المتطلبات، لأنه في نفس الوقت أطلقت نداءات متكررة للخيرين والخيرات من عباد الله للتبرع بالمال من أجل توفير الأدوية والتغذية وكل المتطلبات للمريضة، والحقيقة أنني فوجئت بالكم الهائل من المساعدات المادية، التي كانت تتلقاها السيدة التي انتدبناها للإشراف على الموضوع، وهذه المصاريف غطت جميع الاحتياجات.. أقامت المريضة بالمشفى شهرا كاملا، وكنا في جمعية رؤية نقوم بزيارتها من حين لآخر وخرجت السيدة سالمة معافاة والحمد لله رب العالمين.. لكن ما دخل الذنوب بالقصة؟
كانت إحدى الأخوات اتصلت برئيس جماعة تافرانت باعتباره برلمانيا أيضا، طالبة منه المساعدة على توفير سيارة إسعاف قبل أن نحصل عليها، لكنه أجابها أن تلك السيدة (المريضة) منحرفة وزانية، بالتالي لا يمكن له هو (الحاج والمؤمن) أن يساعد زانية.. وكان أحد أذنابه كتب تدوينة على الفايسبوك يطالب فيها السلطات والناس برجم الزانية.. واتهمَنا، نحن الذين أنقذنا مريضة من الموت، بالمنافقين.. وبعد الاستراحة من التعب.. وخروج المريضة معافاة من المشفى، كتبت مقالا كان عنوانه: (قصة امرأة نبذها المجتمع وتكفل بقضيتها جماعة من المذنبين)، ووقّعت المقال باسمي مشفوعًا بعبارة: (المذنب الكبير).. وهكذا انتشرت هذه العبارة إلى حدود الآن في أكثر من بلد عربي، وليس في المغرب فحسب.. هذه هي القصة موجزة ومختصرة..
أما دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر، فقد أسستها سنة 2000، بإمكانياتي البسيطة الخاصة، وما زالت قائمة لحد الآن والحمد لله، وفي سنة 2017، كنت عرضتها للبيع كي أستريح، لكن لا أحد تقدم لشرائها، بينما انبرى مجموعة من الأصدقاء والصديقات من مختلف أنحاء الوطن العربي ومن داخل المغرب يعاتبونني على هذا القرار.. معللين رأيهم بأنه لو اشتراها أي شخص آخر، فإنه لن يجرؤ على نشر الكتب التي تنشرها الدار حاليا، وسيخسرون دارا حرة لا تفرق بين أفكار عباد الله.. ولا أخفيك أن عرضي ما زال قائما، لأنني تعبت وأرغب في التفرغ للكتابة فقط.. لأن العمر في تقدم والصحة بدورها بدأت تعرف بعض الوهن.. أما عن المساعدات، فليس هناك مساعدة من أحد، لا من الدولة ولا من المؤسسات ولا من الأفراد، ودار الوطن تعيش بفضل كتابها الذين وضعوا ثقتهم فيها ويدفعون تكاليف كتبهم، وبعضهم الآخر يتنازل عن حقوقه لفائدة الدار دعما لها ولمسيرتها، أما الأحزاب فكيف تدعم هذه الأخيرة دار نشر. ومتى كانت الأحزاب المغربية تهتم بالإبداع والفكر والثقافة؟ أكيد هذا مستحيل جدا..
سامية البحري: وخير جليس في الأنام كتاب، هكذا صدح المتنبي العظيم في زمن الفكر والحرف والثقافة.. هل مازالت هذه المقولة صالحة في عصر العولمة والثقافة الرقمية والاستهلاك السريع؟
عبد النبي الشراط: في بداية عصر الأنترنت، سئلت هذا السؤال، خلال حوار صحفي كانت أجرته معي صحيفة مغربية، حيث الكثيرون بدأوا يتخوفون من انقراض الصحيفة الورقية والكتاب الورقي، وكنت أجبت أن الأنترنت قد تؤثر جزئيا على الصحف، ولن تؤثر على الكتاب الورقي.. والآن، تأكدت رؤيتي للموضوع حيث الإقبال ما زال جاريا على الكتاب الورقي.. وحين أقول (الكتاب)، أقصد الكتاب المفيد، لأن هناك كتبا تحمل اسم كتب فقط وما هي بكتب.. وحسب تجربتي كناشر، فإن الكتاب الجيد ما زال مطلوبا ورقيا.. ففي عهد الأنترنت طبعنا كتبا أكثر من طبعة واحدة.. وسيظل الكتاب باقيا رغم الأنترنت والتكنولوجيا، وسيبقى خير جليس لنا للأبد إن شاء الله.
سامية البحري: سؤال ختامي جامع بين جملة من المحاور.. المرأة في حياة الشراط هي الأم وهي الأخت وهي البنت وهي الحبيبة وهي الزوجة في تجربتين، وقد قيل عن المرأة إنها (ناقصةٌ عقلا ودينا).. كيف يقرأ الشراط هذا الحكم، وكيف وجد المرأة على امتداد هذه المحطات؟
عبد النبي الشراط: تبقى المرأة هي مسك الحياة بالرغم مما قد يطرأ على العلاقات الزوجية من خلافات واختلافات، ومن الجميل أن نختم هذا الحوار بالحديث عن المرأة.. وحديثنا عن هذا الموضوع يعيدنا للحديث عن التراث من جديد.. هناك أحاديث مكذوبة على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وسبب وضع الأحاديث كان بقرار سياسي لا غير، لأن الأحاديث لم تدوّن إلا بعد وفاة الرسول بأكثر من مائتي سنة، ومن الصعب جدا أن نثق في أقوال كلها تناقضات..
دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر، التي أسستها سنة 2000، كنت عرضتها للبيع، لكن لا أحد تقدم لشرائها، وتعرّضت لعتاب أصدقاء وصديقات من داخل المغرب وخارجه، لأن من يشتريها قد لا يجرؤ على نشر الكتب التي تنشرها الدار حاليا، لكن عرضي ما زال قائما، لأنني تعبت وأرغب في التفرغ للكتابة فقط
فعلى سبيل المثال: هذا الحديث ... (المرأة ناقصة عقل ودين) روي بسبع صيغ مختلفة، إحدى هذه الصيغ تقول: (أخرج الشيخان في صحيحيهما صحيح البخاري (1/68)، صحيح مسلم (1/86) واللفظ للبخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار"، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"، قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"، قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها).. ولاحظي معي بداية الحديث (خرج رسول الله في أضحى أو فطر) يعني أن الراوي غير متأكد حتى من زمن الحديث، ومتى كان، هل في عيد الأضحى أو عيد الفطر؟ يعني البداية غير موفقة على الإطلاق، وبما أن الحديث تحدث عن صلاة أحد العيدين: الأضحى أو الفطر، بمعنى أن الرسول الأكرم كانت له خطب في مثل هذه المناسبات فأين هي؟ وأين هي خطب الجمعة التي ألقاها الرسول طيلة أكثر من عشر سنوات؟ فلماذا لم ينقل لنا المحدثون، الذين دوخونا بأكاذيبهم، خطب النبي محمد صلى الله عليه وآله، سواء خطب الأعياد أو خطب الجمعة؟! وللعلم فإن خطب الجمعة كان أولى أن تنقل لنا بدل هذه الأحاديث الكثيرة والمتناقضة في ما بينها.. أما الاستدلال على نقصان عقل المرأة بسبب أن شهادتها تعتبر نصف شهادة الرجل، وأن نقصان دينها يتجلى في فترات الحيض فهذا أمر يناقش على اعتبار أنه لا وجود لأي دليل في القرآن الكريم يمنع المرأة من الصلاة والصيام خلال حيضها هذا القرآن هو الذي يقول فيه سبحانه وتعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) فكيف أن الله لم يفرط شيئا في الكتاب فيأتي النبي الرسول ليضيف كلاما لكلام الله؟ هنا تكمن المشكلة، أما موضوع الشهادة فدعينا نقرأ الآية 82 من سورة البقرة بتدبر ونصها كاملا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وهي بالمناسبة أطول آية في القرآن الكريم، وليس المراد هنا الشهادة أمام المحكمة، لأن هناك فرق بين (الشهادة) و(الإشهاد) فما معنى الشهادة وما معنى الإشهاد؟
يقول المفكر الإسلامي المرحوم الدكتور عماد حسن، عليه رحمة الله، في كتابه القيم (أمي كاملة عقل ودين) الشهادة هي التي يعتمد عليها القضاء في إثبات حجية طرف من الأطراف ولكي يطمئن القاضي ويعتمد على هذه الشهادة في اكتشاف العدل المؤسس على البينة دون أن تكون هناك الذكورة أو الأنوثة معيارا لصدقها أو كذبها ومن ثم قبولها أو رفضها وإنما معيارها اطمئنان القاضي لصدق الشهادة بصرف النظر عن جنس الشاهد ذكرا كان أم أنثى.. أما الإشهاد فيكون في ديْن خاص وليس عن الشهادة أمام القضاء، وتعتبر مجرد نصيحة وإرشاد لصاحب الديْن وليست تشريعا موجها إلى القاضي الذي يحكم في المنازعات بين الناس وعادة هذا الإشهاد ما يكون نكولا، أي بدون أداء القسم، بالتالي فإن الآية تقول (شهيدين) ولم تقل شهادة امرأتين وكلمة (أن تضل إحداهما) يعني أن لله حكمة في ذلك، لأن اهتمام المرأة بالمال والأعمال ليس كاهتمام الرجل، وذلك بسبب أعباء المرأة الكثيرة، واشتراط الثانية مرهون بأن تضل الأخرى، أما إذا لم تضل الأولى فليس هناك شرط لوجود ثانية، لأن (أن) تفيد القطع بوقوع الحدث لكن (إن) تفيد مجرد احتمال.. والملاحظ هنا أن الآية الكريمة تتحدث هنا حصرا عن الديْن فقط ولا تتحدث عن الشهادة أمام القضاء، وهذا اللبس هو الذي جعل الفقهاء يشرّعون بما لم يأتِ به الله عبر رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وآله، ومثل هذا نجده في آية التعدد، يبترون الأية فيقولون: (... فانكحوا ما طاب لكم من النساء إلخ.. الآية) بينما بداية الآية من سورة النساء آية 3 تقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مثنى وثلاث ورباع)، فالتعدد هنا مشروط بالإحسان لليتامى ولم يُبح الله للرجل أن يتزوج أربع نسوة بمجرد أنه قادر على الإنفاق عليهن، لأن هذا ليس عدلا، وهناك الكثير من آيات الذكر الحكيم تم تحريف معناها لكي تتماشى مع عقلية الذكور المهووسين بالجنس.
وإذا ما أتينا إلى الشطر الآخر من الحديث الذي يقول: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) فإننا ندرك تمام الإدراك أن هذا الحديث مفبرك وإلا كيف (تذهب المرأة ناقصة العقل بلب الرجل الحازم)؟ كيف للرجل العاقل جدا أن تذهب بعقله امرأة ناقصة العقل بله الدين؟ إن الراوي الذي افترى هذا الكلام على النبي الأكرم إنما أراد أن يستخف بعقولنا جميعا، التي ينقصها العقل تغوي الرجل العاقل الحازم؟؟؟ إنها حقيقة مشكلة..
سامية البحري: الثقافة جسر لحوار الشعوب والحضارات وقد تحقق الانفتاح الكوني السلمي على امتداد التاريخ عبر المعطى الثقافي واستطاعت الثقافة ما لم تستطعه الأديان وفشلت فيه السياسة.. هل يمكن أن يحقق هذا الحوار الثقافي الكوني أهدافه الإنسانية بإقصاء طرف معين تحت عناوين مختلفة مثل الخيانة والتطبيع ؟؟
عبد النبي الشراط: سأذهب مباشرة إلى المقطع الأخير من السؤال وأقول: إننا منذ سبعين سنة خلت وتزيد ونحن نردد كلاما مثل الببغاوات.. فلا العرب حرروا فلسطين، ولا إسرائيل أزيلت من الوجود كما قيل لنا على مدار هذه السنين، ويتساوى في ذلك القوميون والإسلاميون واليساريون على السواء، حتى أنني لم أجد تفسيرا لكلمة (تطبيع) التي يجتزئونها ويجعلونها حصرا على ربط العلاقات مع إسرائيل..
منذ 70 سنة ونحن نردد كلاما مثل الببغاوات.. فلا العرب حرروا فلسطين، ولا إسرائيل أزيلت من الوجود، ويتساوى في ذلك القوميون والإسلاميون واليساريون، وإذا كان هناك من يمكن اتهامه بالخيانة فالفلسطينيون أحق بهذه التهمة من غيرهم، لقد تنازلوا عن الأرض مقابل أن ينعموا بحياة الرفاهية ورغد العيش
وإذا كان هناك من يمكن اتهامه بالخيانة فالفلسطينيون أحق بهذه التهمة من غيرهم، لأنهم أول من (طبّعوا) علاقتهم مع من يسمونهم بالصهاينة.. إن أصحاب الأرض تنازلوا عنها مقابل أن ينعموا بحياة الرفاهية ورغد العيش، وإن إسرائيل كانت في خطر قبل دخول زعماء فلسطين إليها، ولكنها الآن آمنة مطمئنة لأن القادة الفلسطينيين هم من يتولون الآن حماية إسرائيل.. فماذا يضير إذا ربطت كل الدول العربية علاقتها بهذه الـ(إسرائيل) التي دوختنا على مدار سبعين عاما وتزيد؟ علما، وكما أسلفت في جواب سابق، أن كل العرب مطبعون بطريقة أو بأخرى.. فقط يمارسون النفاق.. وأنا أتوقع أن تنضمّ الكثير من الدول العربية لعالم (التطبيع) لأن جميع العرب (بمن فيهم الذين يتشدقون علينا الآن ويزايدون علينا باسم دعم الشعب الفلسطيني) كل العرب اعترفوا بإسرائيل نهارا جهارا عبر مشروع الملك فهد سنة 1982 خلال مؤتمر القمة العربي بفاس هنا بالمملكة المغربية.. وبعد ذلك في أحد المؤتمرات المنعقدة بلبنان.. فلماذا هذا الضجيج الآن؟ وأنا أرى بوضوح أن من يدعم ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، فإنه حتما يدعم إسرائيل، لأن هذه السلطة وجدت لحماية أمن إسرائيل فقط. فلماذا يحاولون استغباءنا؟ إن زمن العاطفة يجب أن يولّي، ويحل محله زمن العقل والتعايش والسلم والأمان، إن إسرائيل باقية وقد تزول بعض الدول العربية.. وقد بدأت القصة من العراق مرورا إلى ليبيا ووصولا إلى سوريا.. فهل نتعظ؟
ويبقى السؤال مطروحا... هل نتعظ؟؟؟ والتاريخ لا يرحم..
سامية البحري: في الختام لا يسعني إلا أن أعبر عن شكري وامتناني لحضرتك الأستاذ الكبير بأخلاقه وإنسانيته العالية الكاتب والمبدع المغربي العربي عبد النبي الشراط.. وجدت قامة فكرية عظيمة وفكرا حداثيا تنويريا وقلبا كبيرا صادقا.. وجدت قلما كبيرا يحمل الكثير من القيم والمبادئ والكثير من الإيمان والكثير من الصدق.. تشرفت جدا بهذا اللقاء الفكري الخصيب.. شكرا أكررها بحجم الكون أستاذنا الفاضل.. مع تحياتي وخالص التقدير...
