الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الفقيد محمد بن المقدم.. مناضلا أصيلا وإنسانا نبيلا

 
عبد الهادي الزوهري
 
 
الرفيقة الفاضلة الأستاذة عائشة لخماس زوجة الفقيد، ولديْ الفقيد نبيل وبسّام، أفراد العائلة المحترمة، الرفاق الأعزاء، الحضور الكرام.
 
أي رفيقي الغالي محمد بن المقدم، ماذا أستعيد من ذكرياتنا المشتركة في لحظة مثل هاته، التي يطبعها الخشوع والتأمل في جدوى الحياة وأسرار الموت، بعد أن غيّبك الفقد الأبدي عنا، فآخر لقائنا سويا كان، لما استقبلتني صحبة رفيقنا العزيز محمد لخماس، وزميلي الصديق محمد فلاح، وأنت في قمة علّتك، بيد أن حافظتك كانت في أوج صحوها، عندما ناديتني: با عبد الهادي، مستقبلا إياي بابتسامتك العريضة المعهودة، حيث ظلت أيدينا طيلة فترة الزيارة متشابكة وكأنها تستعيض عن لغة الشفاه بلغة المشاعر والأحاسيس.
 
أي رفيقي محمد بن المقدم، أسترجع في هذه اللحظة المتوترة أول لقاء لنا في خريف 1980 في رحاب إحدى الجمعيات الثقافية بدار الشباب بوشنتوف، إذ لم يسبق لي أن تعرفت إليك، والراجح أنك كنت سبّاقا لمعرفة هويتي النضالية عبر الجسر التنظيمي لرفيقتنا عائشة، وأصبحت ألمس، أثناء تلك اللقاءات الثقافية، أننا بصدد نسج "أواصر قربى" فكرية وإيديولوجية، من خلال تشابه تدخلاتنا وتقارب آرائنا. كما كانت الخلية التي تضمني صحبة مناضلين آخرين تلتئم أحيانا تحت سقف بيتك دون أن أعلم أنك تشاركنا الحضور بمعنى من المعاني.
 
وبعد انقشاع غيوم السرية ونهاية العلاقات الغميسة، توطدت روابط صداقتنا، وأمسينا نلتقي في بيتك رفقة كوكبة من الرفاق حيث نقضي ليال طويلة من السمر يتخللها الحوار والنقاش ولا تخلو أيضا من المرح والفرح، وخاصة قبيل انعقاد اجتماعات اللجنة ألمركزية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي أو بعدها، لما تختتم أشغالها بالرباط، ونعود منهكين إلى الدارالبيضاء وغالبا في الليل، بعد تأخرنا عن مواعيد انطلاق حافلاتنا التي تقلنا إلى مدننا، فيكون ملاذنا هو بيتك العامر الذي ننعم فيه بكرم الضيافة وحسن الاستقبال، وتحتضننا كعادتك بابتسامتك الرائعة، ورحابة صدرك دون أن نشعر، في يوم ما، بتبرمك أو ضيقك بالرغم من ثقل "غزواتنا" المتكررة لبيتك طيلة سنوات.
 
أي رفيقي النبيل محمد بن المقدم، كل من عرفك يعترف لك بحسن الطوية، ودماثة الخلق، وطيبة العشرة مع زملائك في العمل أو مع جيرتك في السكن، أو مع رفاقك في التنظيم، أو مع أخصامك في الجماعة والمنظمات الجماهيرية، وظل هذا ديدنك أين ما حللت وارتحلت سواء في قلعة السراغنة، أو الرباط، أو البيضاء.
 
أي رفيقي محمد بن المقدم المناضل التقدمي الأصيل، أستعيد الآن تدخلاتك في اجتماعات منظمة العمل أو النقابة الوطنية للتعليم، التي اتسمت دوما بالوضوح والعمق والصدقية والتواضع النضالي، بعيدة عن التبجح والفظاظة، تتوسل فيها طرائق بيداغوجية تراعي فيها المقام والمقال، وتتكئ فيها على ثقافتك الفلسفية وزادك التربوي، وخبرتك السياسية والنضالية.
 
وإن ننس فلن ينسى رفاقك رباطة جأشك أمام المحن المتعددة التي عانيت منها طوال مسيرتك النضالية التي تمثلت في المتابعات والاعتقال في سنوات السبعينيات ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضي، والتي خرجت من أتونها دائما رافع الرأس، صامدا، قويا، صبورا.
 
نفتقد اليوم، ابتسامتك الرائعة، وهدوءك الحكيم، وبحثك الدؤوب عن الآراء التي تجمع لا التي تفرق. ونفتقد اليوم أيضا خطك الجميل الذي اشتاقت إليه الصفحات البيضاء لما كنت تعد ورقة في التنظيم، أو عرضا في ندوة، أو درسا لطلبتك.
 
أي رفيقي محمد بن المقدم الغائب الحاضر، مهما أحسسنا بفداحة فقدك، ووجع غيابك، فإنك ستظل بيننا في طليعة الخالدين الذين قدموا لوطنهم، وهم في زهرة شبابهم وحيويتهم، تضحيات جساما: قمعا، وحبسا، وحرمانا "وما بدلوا تبديلا". وسيظل رفاقك وأصدقاؤك ومحبوك يحكون عنك بأنك كنت تزرع الأمل والتفاؤل "أين ما وليت وجهك" بحضورك الباذخ، وشخصيتك المتفردة، منافحا عن مبادئك في "الخبز والوطن والديمقراطية"، "فسلام عليك يوم ولدت ويوم ناضلت ويوم تبعث حيا".
 
وصبرا جميلا لأستاذتنا الفاضلة عائشة،
وعزائي الصادق لولديك، ولكل أفراد عائلتك، ولكافة رفاقك وجميع أصدقائك وزملائك وطلبتك،
تغمدك الله بواسع رحمته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
_________________________________________
الكلمة، التي ألقاها الكاتب عبد الهادي الزوهري أمام فعاليات حفل الذكرى السنوية الأولى لوفاة فقيد الحركة الديمقراطية المغربية محمد بن المقدم يوم السبت 13 نوفمبر 2021 بقاعة دار المحامي في الدارالبيضاء