الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

عزيز إدمين: وهبي "يغرد" خارج السرب الدستوري

 
عزيز إدمين
 
 
صرح السيد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أثناء مناقشة مشروع الميزانية الفرعية للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، بتاريخ الثاني من نونبر 2021، أنه قام بتفويض صلاحياته المتعلقة بتدبير المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان إلى المندوب الوزاري لحقوق الإنسان السيد أحمد شوقي بنيوب، وأضاف أن المندوبية أصبحت تابعة له طبقا لمرسوم اختصاصاته، الذي صدر في الجريدة الرسمية، إلا أنه "فوّض للمندوب الوزاري تدبير وإدارة المؤسسة في ما يتعلق بالجانب المالي والإداري، فيما سيتحمل هو المسؤولية السياسية عن عمل المندوبية".
 
وبتاريخ 3 نونبر 2021، نشر السيد أحمد شوقي بنيوب، بصفته المعني بتصريح وزير العدل، بلاغا يثمّن فيه "عاليا" قرار نقل كامل الاختصاص إليه، وأنه تلقى "بتقدير عال" هذا "العرض المميز"، مشيرا إلى أن وزير العدل توقّف "عند الوضع القانوني للمندوبية الوزارية، معلنا بالمناسبة، قراره بنقل كامل الاختصاص للمندوب الوزاري، حتى يتسنى لها القيام بمهامها بكل حرية، مؤكدا، في هذا الصدد، أن تفويض صلاحيات التدبير المؤسساتي سيساعدها على العمل بفعالية"..
 
بالعودة للوضع القانوني للمندوب الوزاري لحقوق الإنسان، فهو موظف سامي معين بظهير ملكي، وبالتالي فهو ليس بموظف إداري عادي، ولكنه، في نفس الوقت، من الناحية الدستورية والقانونية، ليس كاتبا عاما ولا وزيرا منتدبا.
 
مما يطرح السؤال، هل يمكن إعمال التفويض الإداري بين وزير العدل والمندوب الوزاري لحقوق الإنسان؟ في ظل غياب أي علاقة إدارية بينهما، أي أننا لسنا أمام رئيس ومرؤوسه، فالسيد المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، أولا، له علاقة مباشرة وحصرية بسلطة التعيين، أي الملك، لكون لا رئيس الحكومة ولا وزير العدل اقترحاه على الملك. وثانيا فوزير العدل لا يمكنه إقالة أو تغيير المندوب الوزاري، أي لا سلطة إدارية له عليه، فالتفويض الإداري بشقيه، تفويض التوقيع أو تفويض الاختصاص، يفرض وجود تراتبية وعلاقة إدارية، لأن "التفويض" مجاله التنظيم الإداري.
 
للتذكير، فالتفويض الإداري نوعان، تفويض الاختصاص، حيث يتحمل المفوض إليه المسؤولية الكاملة (الإدارية والقضائية والسياسية)، المترتبة على ذلك، ويكون التفويض بالصفة لا بالشخص، وهو ما يُستشفّ من تصريح وزير العدل بالقول "فوض له تدبير وإدارة المؤسسة في ما يتعلق بالجانب المالي والإداري"، ولكن نجد الوزير يؤكد أنه هو من يتحمل المسؤولية السياسية عن عمل المندوبية، مما يدفع إلى الاعتقاد أننا سنكون أمام تفويض بالتوقيع، خاصة أن الوزير أكد أن التفويض جاء بناء على "الثقة" في شخص السيد أحمد شوقي بنيوب، ولكن نسقط مرة أخرى في تناقض ورد في بلاغ المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، عندما أفاد أنه سيطلق مبادرة حقوقية جديدة، وهذا شيء يتجاوز مجرد التدبير الإداري والمالي للمندوبية.
 
ونظرا لغياب أي أعلاقة إدارية بين وزير العدل والمندوب الوزاري، لا في قانون التعيين في المناصب العمومية ولا في قانون الوظيفة العمومية ولا في قانون الشغل... فهذا يدفعنا للبحث في الدستور.
 
وبالرجوع إلى الدستور في فصله 93، الذي ينص، صراحة، على أنه "يمكن للوزراء أن يفوّضوا جزءا من اختصاصاتهم إلى كتاب الدولة".
 
فالدستور حدد مجال تفويض الوزراء لاختصاصاتهم جزئيا إلى كتاب الدولة حصريا، أي إلى كتاب الدولة فقط، وبالتالي كل خروج عن هذه الدائرة فهو مخالف للدستور.
 
باعتبار أن كتاب الدولة هم أعضاء الحكومة، وفق الفصل 87 من الدستور، يحضرون المجلس الحكومي، وبالتالي يمكنهم تقييم سياساتهم أمام رئيس الحكومة، ولكنهم لا يحضرون المجلس الوزاري برئاسة الملك وفق الفصل 48 من الدستور.
 
في حين نجد أن المندوب الوزاري لحقوق الإنسان لا يشارك في أشغال المجلس الحكومي.
 
يضاف إلى ما سبق ما ورد في المادتين 10 و11 من القانون التنظيمي، الذي يعتبر جزءًا من الكتلة الدستورية، رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، حيث نصت المادة 11 على أنه "يمكن أن يتلقى كتاب الدولة من رئيس الحكومة أو من الوزراء التابعين لهم، حسب الحالة: إما تفويضا عاما ومستمرا للإمضاء أو التأشير، نيابة عن رئيس الحكومة أو عن الوزير، على جميع المقررات المتعلقة بالمصالح الموضوعة تحت سلطتهم؛ وإما تفويضا في الاختصاص بالنسبة لبعض المصالح الخاضعة لسلطتهم"، وهو تأكيد وتدقيق لما ورد في الفصل 93 من الدستور.
 
فالمادة 11 حصرت تفويض الاختصاص من الوزير إلى كاتب دولة شريطة أن يكون تابعا له، في حين ليس هناك أي نص قانوني أو دستوري أو تنظيمي يقول إن المندوب الوزاري لحقوق الإنسان تابع لوزير العدل، وهنا نميّز بين المندوبية الوزارية كبنية إدارية تابعة لوزير العدل، وبين المندوب الوزاري كموظف سامي ليس له علاقة تراتبية إدارية أو تنظيمية مع وزارة العدل.
 
القانون التنظيمي وسّع من دائرة تفويض الاختصاص إلى الوزراء المنتدبين، وفق المادة 10 منه، وذلك في تناغم مع الدستور، لكون الوزير المنتدب، من الناحية القانونية والدستورية، هو بمرتبة وزير، حيث نصت هذه المادة على أنه "يمكن أن يتلقى الوزراء المنتدبون لدى رئيس الحكومة أو لدى الوزراء، حسب الحالة، تفويضا في الاختصاص أو في الإمضاء".
 
نفس الملاحظة، فالوزير يفوّض اختصاصاته إلى الوزير المنتدب التابع له.
 
قد يُطرح السؤال: ما الفرق بين تفويض الاختصاص لوزير منتدب وتفويض الاختصاص لكاتب دولة؟ والفرق بسيط، وفق ما ورد في القانون التنظيمي رقم 65.13، وهو أن الوزير المنتدب "يمتد التفويض في الاختصاص المنصوص عليه أعلاه، إلى التوقيع بالعطف على المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة". في حين أن كاتب الدولة "لا يمكن أن يمتد تفويضا الاختصاص والإمضاء المنصوص عليهما أعلاه، إلى التوقيع بالعطف على المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة".
 
وختاما لهذه الجزئية، فالقانون التنظيمي فرض على الوزير المعني أن "تحال قرارات التفويض الصادرة عن الوزراء، في الحالة المذكورة، على رئيس الحكومة قصد التأشير عليها قبل دخولها حيز التنفيذ" (الفقرة الثالثة من المادة 10 والفقرة الأخيرة من المادة 11).
 
وللتذكير، مرة أخرى، فالمندوب الوزاري ليس بكاتب عام ولا وزير منتدب حتى يتم تفويض الاختصاص له من قبل وزير العدل.
 
خلاصة:
لا يمكن الحديث عن أي تفويض للاختصاص للمندوب الوزاري من قبل وزير العدل ما لم يؤشر عليه رئيس الحكومة، لكون هذا الأخير هو صاحب الاختصاص الأصلي، ووزير العدل هو صاحب اختصاص فرعي، ولا يمكنه التصرف في اختصاصاته المنقولة إليه من تلقاء ذاته.
 
تصريح وزير العدل في البرلمان لا سند قانونيا ولا دستوريا له، فله الحق في تفويض الاختصاص فقط لوزير منتدب له أو كاتب عام تابع له، باعتبارهما أعضاء المجلس الحكومي، ولا يمكنه تفويض اختصاصاته لشخص آخر.
 
يبقى بلاغ المندوب الوزاري متسرعا لكونه كان يجب أن ينتظر تأشيرة رئيس الحكومة ونشر القرار في الجريدة الرسمية (إذا افترضنا أن رئيس الحكومة خالف الدستور هو أيضا وأشر على قرار وزير العدل)، أو نشر قرار "التفويض الإداري" في الجريدة الرسمية، مما سيجعل مبادرته الحقوقية معطلة حاليا.
 
وأخيرا، لا نعتقد أن الأمانة العامة للحكومة "الحارسة" على القانون ستسمح بنشر قرار وزير العدل في الجريدة الرسمية وأن تشارك في خرق الدستور.