الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رحيل العملاق صباح فخري.. الفنان الذي كان يغني وينتشي ويرقص كفراشة (+ فيديو رقصة الفراشة)


صُدم رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعشاق الفن الجميل الأصيل، صباح اليوم الثلاثاء 2 نوفمبر 2021، بوفاة العملاق الأسطورة الفنية صباح فخري عن عمر ناهز الـ88 عاما...
ونشرت الصفحة الرسمية لنقابة الفنانين في سوريا على موقع "فايسبوك" بيانا نعت فيه رحيل صباح فخري جاء فيه: "ببالغ الحزن والأسى نقابة الفنانين في الجمهورية العربية السورية تنعي الفنان الكبير والقدير صباح فخري، الذي توفي صباح اليوم الثلاثاء 2 تشرين الثاني 2021 عن عمر يناهز الـ88 عاماً"، معتبرة "الفنان القدير صباح فخري"، من "أساطين وأعمدة الطرب العربي الأصيل"...
وظل صباح فخري رمزا وصوتا لسوريا، وقال في آخر تصريحاته عنها "سوريا.. هي إمّي وهي بيّي".

هاشتاغ "شكرا على الفن الجميل"
وانتشر هاشتاغ "شكرا على الفن الجميل" بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي تقديرا لمشوار صباح فخري، ولوداع أحد نجوم الغناء الذي اشتهر في أنحاء الوطن العربي والعالم وفي السجلات العالمية للمطربين كواحد من أهم مطربي الشرق، وأقام حفلات غنائية في بلدان عربية وأجنبية كثيرة ضمنها المغرب، وطاف العالم وتربّع على عرش فن الغناء والقدود الحلبية.
ونعاه الموسيقي اللبناني رافييل جعبور عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر" بتغريدة: "شكراً على الفن العظيم اللي تركتو للأجيال القادمة، اللّه يرحمك #صباح_فخري".
 
 

يتحرك على المسرح ويرقص كالفراشة
لقد أطرب هذا الفنان العملاق الملايين بحرفية غناء القدود والمقامات، وكان وهو يغني يتحرك على المسرح ويرقص كالفراشة.
يقول صباح فخري، في سيرة حياته، إن "الأمر يحتاج إلى إرادة وتضحية أيضاً، ومن ثم يجدني الجمهور على المسرح أتحرك وأرقص كالفراشة دون كلل أو ملل، وأظن من يستطيع أن يشد الجمهور عشر ساعات غناء متصلة دون تعب، عليه أن يدفع ثمن ذلك، أو أن يضحي من أجل تحقيق ذلك، فلكل نجاح ضريبة"...
بدأ حياته مؤذنا بالجامع
وكان صباح فخري في شبابه موظفا بأوقاف حلب ومؤذنا في جامع الروضة هناك، كما اشتهر بغناء "قل للمليحة" و"ابعث لي جواب".
وشارك "فخري" في العديد من الأعمال الإذاعية والسينمائية منها "الوادي الكبير" مع الراحلة وردة الجزائرية.
ومع رحيله أعاد محبوه نشر فيديوهات نادرة لحفلاته في السبعينيات، حين جال بصوته وأدائه للموشحات وغنائه لأشهر أعماله الغنائية التي تميز بها منها وفي مقدمتها "قل للمليحة".

شذا نصار في كتاب "صباح فخري سيرة وتراث"
قبل سنتين، في 2019، نشرت الكاتبة السورية شذا نصار سيرة حياة المطرب السوري المخضرم في كتاب يحمل عنوان "صباح فخري سيرة وتراث"، الذي وقّعته في بيروت بحضور صباح فخري شخصيا.
وفي احتفال التوقيع، اكتفى فخري بتوجيه عبارات الشكر إلى كل من ساهم في صناعة هذا الكتاب قائلا "أشكركم وأتمنى لكم دوام السعادة ويطول عمركم. فيه ناس إلنا معها صداقة بتساوي عمر".
وفي كلمتها وصفت المؤلفة فخري بأنه "قلعة حلب الثانية". وقالت نصار إن كتابها جاء في وقت كانت حلب تعيش الدمار وتراثها التاريخي والمادي يندثر ويتحطم. وأضافت "خطرت لي فكرة صباح فخري وقلت لنفسي لازم هذا التراث يظل مضوي (يظل مضيئا) وما كتبته هو لحلب وللأصالة والتراث".
وتم توقيع الكتاب بحضور المؤرخ الموسيقي اللبناني إلياس سحاب والفنان اللبناني غدي الرحباني الذي اعتبر أن ظاهرة صباح فخري لن تتكرر نظرا لتجذره في الفن الأصيل.
يقول صباح فخري لمحاورته في الكتاب إن أهله اكتشفوا صوته لأول مرة عندما كان رضيعا. ويروي أنه لدى ولادته وفي عمر الشهر الواحد كان أحد أقربائه يتعمد إيقاظه عبر "قرصه" لأنه يحب سماع صوته حتى وهو يبكي فقد كانت لديه نغمة خاصة في البكاء.
صقل صباح الدين أبو قوس، وهو الاسم الأصلي للفنان الراحل صباح فخري، صوته في حارة الأعجام داخل قرية القصيلة في أحد أحياء حلب القديمة حيث كان محاطا بثلة من شيوخ الطرب والمنشدين وقارئي القرآن وصانعي مجد القدود الحلبية.
وفي سن مبكرة، تمكن الطفل صباح الدين من ختم القرآن وتلاوة سوره في جوامع حلب وحلقات النقشبندية مفتتحا أول تمارينه مع الشيخ بكري الكردي أحد أبرز مشايخ الموسيقى.
اشتد عود صباح الدين وازداد تعلقه بالإنشاد والتجويد من خلال مجالسته كبار منشدي الطرب الأصيل واجتاز امتحانات غنائية صعبة على أيدي "السمّيعة" الذين يتمتعون بآذان لا تخطىء النغم وتكشف خامات الصوت وتجري اختبارات حتى لكبار الأصوات آنذاك مثل محمد عبد الوهاب وأم كلثوم اللذين زارا حلب للغناء على مسارحها في ثلاثينيات القرن الماضي.
وقد ساهمت "خوانم" أو نساء ذلك الزمن بصعود نجم الفتى صباح الدين إذ إن من العادات الاجتماعية لسيدات حلب تحديد موعد شهري لكل سيدة تستقبل فيه من ترغب من معارفها وتكون الدار مفتوحة على الغناء والعزف والرقص وهو ما كان يسمى "القبول". وصارت النساء يطلبن من صباح الدين الغناء في هذه التجمعات.
وتمكن الطفل صباح الدين من دخول المدرسة الحكومية الحمدانية في حلب وهناك برز تفوقه كتلميذ يشارك في المهرجانات السنوية للمدرسة.
وتقول الكاتبة شذا نصّار إن الفنان سامي الشوا تعهد لاحقا صباح الدين بالرعاية حيث غير اسم الفنان الناشىء إلى "محمد صباح" واصطحبه معه في جولات غنائية بالمحافظات.
ولم يكد محمد صباح يبلغ الثانية عشرة من عمره حتى وجد نفسه يغني في حضرة رئيس الجمهورية السورية آنذاك شكري القوتلي خلال زيارته إلى حلب عام 1946 ما اعُتبر محطة مصيرية قفزت بفتى الموشحات إلى خارج حدود حلب.
رفض محمد صباح العرض الذي قُدم له بالسفر الى مصر آنذاك لصقل موهبته وآثر البقاء في دمشق والغناء عبر إذاعتها الرسمية. وتقول الكاتبة شذا نصار إن السياسي المخضرم النائب فخري البارودي كان قد أسسس معهدا للموسيقى في دمشق وأعجب بخامة صوت محمد صباح الفريدة وتوقع لها مستقبلا ساطعا.
وتضيف الكاتبة "في إحدى الحفلات الإذاعية المباشرة على الهواء والتي كان يقدمها المذيع صباح القباني شقيق الشاعر نزار قباني أراد النائب فخري البارودي أن يتبنى المطرب محمد صباح ويعطيه لقبه فقدم المذيع المطرب باسم صباح فخري".
وبمساعدة موسيقية من الفنان عمر البطش وضع صباح فخري أولى تجاربه في التلحين عن عمر لم يناهز 14 عاما وكانت أنشودة "يا رايحين لبيت الله / مع السلامة وألف سلام / مبروك عليك يا عبدالله / يا قاصد كعبة الإسلام".
وتذكر الكاتبة أن أول أدواره القديمة كانت من ألحان سري الطنبورجي وهو حمصي المنشأ سكن في دمشق وعمل بائع أحذية. وتقول الأغنية "أنا في سكرين من خمر وعين/ واحتراق بلهيب الوجنتين/ لا تزدني فتنة بالحاجبين/ أنا في سكرين". وقد غدت هذه القصيدة ملتصقة باسم صباح فخري بعد أن أضاف إليها من روحه في اللحن والكلمة.
لكن انتقال حنجرة فخري من الصبا إلى الشباب تسبب في حشجرة فاجأت صاحبها وصعقت خبراء الغناء، إذ يقول الكتاب إن هرمونات الرجولة غيّرت من طبيعة صوته وتكوين حنجرته الذي بدا كالمبحوح.
وتقول الكاتبة "لعبت الحالة النفسية لصباح دورها السلبي. كلما حاول أن يرفع عقيرته للغناء كان يفاجأ بشخص آخر يغني من حنجرته. إنه ليس صوتي.. لست أنا ما الذي حصل؟ كلها تساؤلات كان يضج بها رأس الشاب الذي بدأ يشعر بفقدان أغلى ما وهبه إياه الخالق".
وفي سن الخامسة عشرة أطبق صباح فخري على صوته واعتزل الغناء مكرها فراح يبحث عن لقمة عيشه في الترحال بين قرى ريف حلب إلى أن التحق بخدمة العلم عندما أصبح شابا يافعا.
وتقول الكاتبة "مع اكتمال رجولته، تبلورت حنجرته واكتمل تكوينها لتعيد للكنز الدفين تألقه وعاد صوت صباح فخري الرجل يشق لنفسه مكانا بين ذكريات سنين المراهقة في أحياء حلب وبيوتها".
وعاد فخري إلى أضواء الشهرة من بوابة إذاعة حلب وسهرات إذاعة دمشق وما كان يعرف بخيمة حماد التي غنى فيها مع المطربة اللبنانية صباح، وهناك قدم الموال بالقدود الحلبية وغنى "مالك يا حلوة مالك" و"يا مال الشام ويالله يا مالي /طال المطال يا حلوة تعالي".
وتقول الكاتبة إن صباح فخري توج الموال ووصل به إلى مكانة لم يصلها غيره وارتفع بمستوى الأغنية الشعبية فجاورت القصيدة.
ويستعرض الكتاب صورا من أبرز مراحل صباح فخري منذ الطفولة مرورا بالخدمة العسكرية وصولا الى أبرز أفلامه ومسلسلاته وبينها مسلسل (الوادي الكبير) مع وردة الجزائرية.
ولمن يريد، فالكتاب يقع في 335 صفحة من القطع الكبير الملون والصادر عن دار هاشيت أنطوان في بيروت.