الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الملك والأمن الاستراتيجي الوطني وأذرعه الحيوية من الغذاء إلى الدواء

 
لحسن صبير
 
في خطاب افتتاح البرلمان، أشار الملك محمد السادس إلى حيوية المخزونات الاستراتيجية في الأمن والسيادة الوطنيتين...
 
في تقديري، لا ينسحب الأمر فقط على الطاقة والغذاء، بل يتعداه إلى الدواء والعملة الصعبة والماء أيضا...
 
وبناء على ذلك، فالمستفيدون من الفرص المتاحة لهم في السوق الوطنية توريدا بالنسبة للنفط والغاز ومشتقاتهما، ملزمون بتوسيع الشبكة الوطنية للتخزين، فضلا عن المبادرة إلى الاستثمار في وحدة تكرير وطنية من الجيل الجديد ذات معايير بيئية عالية.. ناهيك عن الحاجة إلى الإعفاء التام من "التضريب" للمستوردات المستعملة في إنشاءات الطاقات المتجددة لغايات منزلية أو مقاولاتية، وتشجيع المقاولات المصنعة لها وطنيا، لتوسيع شبكة حظيرة هذه الطاقات وطنيا، والتفكير الجدي في أطر تسويق فوائضها بالنسبة للأفراد والمقاولات لمصلحة الموزعين الوطنيين.
 
كما أن القدرات التخزينية للحبوب وغيرها من المستهلكات الحيوية لا يمكنها أن تقتصر على شبكة الصوامع الراهنة، فالبحث العلمي في المعهد الوطني للزراعة والبيطرة يجب أن يشق طريقه لاجتراح تقنيات مستحدثة في هذا السبيل (علينا تذكر أن سقطة الاتحاد السوفياتي غذائيا لم تكن تتصل بدورات الإنتاج بل بسلاسل النقل والتخزين)...
 
والحال أن ازمة الغذاء العالمية تطل برأسها، ليس فقط لارتفاع الطلب، بل للتقلبات المناخية أيضا، وأعطاب سلاسل التوريد وحلقات التجارة الدولية (ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة تفوق الـ50 في المائة)...
 
بينما تحيل أزمة الدواء إلى قدرات الاستقلال الذاتي في تملّك أسرار صنعه وإنتاج مواده الأولية، وعقد تحالفات استراتيجية متصلة بسوق إنتاجه وتبادله وفق منافع مشتركة ومستدامة لا ظرفية خاضعة للتقلبات وتأثير الصدمات الدولية... وهو أمر صعب التحقق على المدى المتوسط ما لم يقترن بقواعد بحثية وطنية ومشاتل لتطوير الخبرات واستقطابها أيضا.
 
ولا نعتقد أن التطور العشوائي للفلاحة التصديرية كما نلحظه قابل كنموذج للاستمرار على حساب استنزاف الموارد المائية والتربة في آن، فـ"المخطط الأخضر" في حاجة إلى وقفة صارمة لتقييم آثاره البيئية في بلد شبه جاف، وليس من المعقول أن نستخف مثلا بحواضن مهددة بزحف التصحر استنزفت فرشاتها المائية، وصارت على أعتاب تقنيات "تحلية مياه البحر" المكلفة، فثمة زراعات عالية القيمة المضافة ومتعددة الاستعمالات ومندمجة بسلاسل التحويل الصناعي ومتصلة بالوسط البيئي وأقل استهلاكا للمياه، قياسا بـ"جذام" بعض الزراعات ضئيلة الأدوار في الأمن الغذائي الوطني العام، وضعيفة المردود العائد تصديرا، بالقياس الوطني لا المصلحي الفردي، وغير قابلة للتخزين، وضعيفة الاندماج في سلاسل التحويل، ومدمرة للتربة والمواد المائية في آن... وهذا عبث يصعب تصور الإصرار على إدامته من دون تقنين وزجر... فأيا كانت "لوبياته"، فلا مصلحة أو ملكية فردية تعلو على أمن وطني لمجتمع الحاضر وأجيال المستقبل (وحروب الماء على الأبواب لمن يريد أن يتّعظ حتى ولو حبتنا الطبيعة الوطنية باستقلال الأنهر، فدورات الجفاف تترصدنا وهي ما هي في تاريخنا الوطني لمن يريد أن يعتبر)...
 
أما على صعيد العملة الصعبة، فكلنا يتذكر النقاش الحامي الوطيس في غمار الجائحة حول أحقية الاقتراض الخارجي من عدمه، إلى الحد الذي افتى به أحد دهاقنة "العدالة والتنمية" (وهو أستاذ جامعي في الاقتصاد يا حسرة) بـ"طبع النقود"، والحال أننا نتصرف باستهتار في مواردنا من العملة الصعبة في ظرفية بلغت فيها مديونيتنا الخارجية أسقفا حرجة (ما يفوق الـ37 مليار دولار)، والكثير من واقع الإهدار متصل بضعف آليات المراقبة والمتابعة للتحويلات الخارجية، كما لسوء "تضريب" الكثير من المستوردات في إطار "المبادلات الحرة" المبنية على "الغش" و"التدليس" و"الدامبينغ"، وسد هذه الثقوب، على الأقل، يسمح لنا في الأدنى بترشيد سبل إنفاق "الموجودات الخارجية"...
 
هذا دون الحديث عن "شقوق" التهريب المنظم، الذي يفرض تقوية القدرات والآليات الكفيلة بمتابعة "الثروات" المؤسسة بالخارج، خارج القنوات والمساطر القانونية الجارية...
 
تلكم بضع ملاحظات استدعاها الحديث عن "الأمن الاستراتيجي الوطني" في باب هذه الأذرع الحيوية، التي تهم أكثر من حقيبة وزارية، ستكون قيد الكشاف الضوئي ومتابعة استراتيجيات التخطيط وخطوات الإنجاز الميداني، في ما يستقبل من سنوات هذه العهدة الحكومية.. فلنتابع ولنرصد...