الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك محمد السادس لدى تعيين أحمد شوقي بنيوب مندوبا وزاريا مكلفا بحقوق الإنسان

حذف وزارة حقوق الإنسان بداية تصحيح عطب دستوري وشلل حقوقي

 
عزيز إدمين
 
 
أُثير جدل واسع حول قضية حذف وزارة حقوق الإنسان من تشكيلة الحكومة الجديدة، برئاسة عزيز أخنوش... بالنسبة لي، شخصيا، كنت وما زلت مدافعا شديدا على إلغاء وزارة حقوق الإنسان، للأسباب التالية:
 
أولا: وجود آلية بين حكومية تتولى التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية في مجال حقوق الإنسان، هو أحد توصيات إعلان وبرنامج فيينا لسنة 1993، وبالتالي ضروري أن توجد هذه الآلية لتعزيز حماية والنهوض بالحقوق الحريات، وهو ما دفع المغرب إلى إحداث المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان في مارس 2011، والتي اعتُبرت من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف (تصريحات نافي بلاي) من الممارسات الفضلى، التي على الدول الاقتياد بها.
 
ثانيا: وجود وزارة حقوق الإنسان، يعني جعل الحقوق والحريات قطاعا أحاديا وعموديا، في مقابل أن الحقوق والحريات هي عرضانية في كل القطاعات الحكومية، الصحة، التعليم، الشغل، السكن، والقطاعات المدنية والسياسية، اللتين تشرف عليهما وزارتا الداخلية والعدل في حدود معينة، يعني أن وجود قطاع ذي نفَس أحادي لحقوق الإنسان هو مخالف تماما لمبدأ العرضانية والأفقية، كما أوصت بذلك مبادئ فيينا.
 
ثالثا: التداخل والازدواجية، بين وزارة حقوق الإنسان والمندوبية الوزارية، أدى إلى شلليهما معا، خاصة أن كلا من وزير حقوق الإنسان ومندوب حقوق الإنسان يستمدان مشروعية وجودهما من خلال ظهيري التعيين، ظهير تعيين "مُنتخب" وهو وزير حقوق الإنسان، وظهير تعيين "مُعيّن" وهو المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، فإن كانت القوة الدستورية لكليهما متساوية، إلا أن الأعراف التقليدية والممارسة السياسية، وفق النظام السياسي المغربي، تميل دائما إلى ترجيح قوة "المعيّن" على "المنتخب".
 
رابعا: حصر مسألة حقوق الإنسان في قطاع واحد، يجعل المخاطب شخصا واحدا، أما إلغاء الوزارة، فالمخاطب الآن أصبح متعددا، كل وزير وفق اختصاصاته...
 
خامسا: وزارة حقوق الإنسان، كما المندوبية الوزارية، ليست آلية حمائية، لكونها جزءا من الجهاز الحكومي، ودورها تزيين وجه الدولة في الخارج، وشماعة تُعلَّق عليها الانتهاكات المرتكبة من قبل وزارة الداخلية أو أجهزة أو هيئات أخرى.
 
سادسا: يقال إن وجود وزير حقوق الإنسان في الحكومة، ضروري للتقابل مع وزارة الداخلية، وتحقيق نوع من التوازن، وأيضا من أجل إيصال الصوت الحقوقي في المجالس الحكومية، وهذه الحجية ضعيفة جدا، لكون أغلب وأشد الاعتقالات والانتهاكات كانت في فترة وجود حقيبة حقوق الإنسان، ولم تؤثر أبدا على تصحيح الأوضاع، باستثناء التدخل هنا أو هناك للسماح بتنظيم نشاط معين أو تسليم وثيقة معينة لشخص ما.
 
سابعا: إن هيئات الحماية، هي القضاء بالدرجة الأولى، البرلمان، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والجمعيات الحقوقية، وليس الحكومة ولا وزارة ما... لهذا، على الجمعيات الحقوقية أن تكون هي الوزارة الحقوقية المدنية الموازية للحكومة في مختلف المجالات، والسياسات الاجتماعية، والحقوق المدنية والسياسية، والتشريعات، والترافع أمام هيئات الأمم المتحدة، وتتبع ومواكبة التوصيات والتعهدات الطوعية للدولة المغربية...
 
ثامنا: عشنا عطبا دستوريا حقيقيا، ومازالت ارتداداته مستمرة، بإحداث المندوبية الوزارية بمقتضى مرسوم، أي أنها تدخل في المجال التنظيمي لرئيس الحكومة، وفق الفصل 72 من الدستور، في حين أن المندوب الوزاري معين بظهير ملكي، في غياب أي سند دستوري أو قانوني.
 
فالملك، بمقتضى الفصل 42 من الدستور، يمارس مهامه بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة، وأسطّر على كلمة "صراحة"، بنص الدستور.
 
وبالعودة إلى الدستور، فلا نجد أي منصب متعلق بالمندوب الوزاري، كما أن القوانين التنظيمية والعادية لا يوجد فيها ما يخوّل للملك سلطة تعيين المندوب الوزاري.
 
وحتى ظهير تعيين المندوب الوزاري لم يستند على أي نص دستوري، كما جرت به العادة في جميع التعيينات الأخرى.
 
وهذا العطب الدستوري، سيستمر إلى غاية تصحيحه بإصدار نص تشريعي (قانون)، وفق الفصل 71 من الدستور، الذي ينص على: يختص القانون بكل ما يتعلق بالحريات والحقوق، ويضيف الفصل نفسه أيضا: إحداث كل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام.
بهذا النص القانوني، يمكن للملك ممارسة سلطة تعيين المندوب الوزاري لحقوق الإنسان بظهير، وتحدد بشكل دقيق اختصاصات المندوبية وعلاقتها بالحكومة والبرلمان والهيئات الأخرى والمجتمع المدني...