الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الإعلامي الكبير الراحل محمد العربي المساري

في ذكرى رحيل المساري.. صحافة جزائرية في خدمة أجندة السلطة ضد المغرب

 
د. جمال المحافظ
 
 
تُحسب لمحمد العربي المساري، الذى تحل الذكرى السادسة لوفاته، يوم غد الأحد 25 يوليوز 2021، مقاربته المتميزة لقضية الوحدة الترابية وللعلاقات المغربية الجزائرية، على ضوء استخدام سلطات الجارة الشرقية للصحافة في الدعاية والترويج للمغالطات في محاولات يائسة لتكريس صور نمطية سلبية غير موجودة على أرض الواقع حول المغرب، وذلك ضمن استراتيجية تنفذها منذ سنة 1963، ترمي الى استدامة التوتر والنزاع وبث الفرقة والبلبلة بين البلدين الشقيقين، للتغطية على فشل النظام الجزائري في تحقيق تطلعات شعبه في العيش الكريم.
 
وكان المساري قد ألّف، في هذا الصدد، كتابا شيقا، سيكون مفيدا لو جرت إعادة طباعته، بعنوان "قصف الواد الناشف"، الذي جمع فيه المرحوم قصاصات للصحافة الجزائرية التي كانت تنشر أخبارا كاذبة ومزيفة عن قيام السلطات المغربية بقصف الواد الناشف بالقرب من وجدة، مسجلا، بأسف كبير، كيف يستعمل الإعلام الجزائري في معارك سياسية، وكيف أن هذا الإعلام لا يستطع أن يحمي نفسه، بالمهنية اللازمة والتقيد بأخلاقيات المهنة، وترك نفسه في يد الماسكين بزمام السلطة هناك، وأهوائهم لمعاكسة المغرب ووحدته الترابية.
 
وباستعادته للتاريخ، اعتبر المساري أن الجزائريين لديهم نظرة تنطلق من أن تونس كان لها دور في قيادة المنطقة المغاربية أيام الفاطميين، وأن المغرب شبع قيادة في المنطقة من عدة فترات، وأنه آن الأوان ليحل دور الجزائر، وهي مصممة على ألا تضيع منها الفرصة التي سنحت، وعلى المغاربة والتونسيين أن يفسحوا لها الفرصة بكل أخوة.
 
واستخلص المساري، في هذا الصدد، أن العوامل التاريخية لهذه الكراهية متعددة، لكن فتح العثمانيين للجزائر وفشلهم في ذلك على أبواب فاس، سيزيد من تراكم الحقد التاريخي للجزائر على المغرب، فضلا عن السلاطين المغاربة، كان يكلمون الباب العالي بإسطنبول بندية واعتزاز، وهو ما جعل الجزائر تنظر بعين الضعف إلى نفسها مقارنة بالجار القوي، وسيزداد منسوب العداوة أكثر حين لم تقم فرنسا باستعمار المغرب، إلا بعد 80 عاما من احتلالها الجزائر.
 
فبعد سنين من الاختفاء وراء شعار تقرير المصير، يضيف المساري، برزت أمور على حقيقتها وجاءت فكرة تقسيم الصحراء، ترجمة لبيان وزارة الخارجية الجزائرية في الـ15 من يناير 1975 من أن حكام قصر المرادية "يرفضون كل حل لم تشارك في إعداده الجزائر كطرف معني ومسؤول"، حقا إن الأمور ترجع من حيث كانت في البدء، مشددا على أن العلاقات المتوترة بين البلدين، سببها "عقدة نفسية تعاني منها الجارة الجزائر"، لأن "المهم عندها ليس أن تربح إسبانيا، بل أن يخسر المغرب"، الذي كان قد تقوى موقفه في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، بفضل الالتفاف الوطني الذي حدث، تحت شعار ارتباط مسلسل تحرير الأرض بتحرير المواطن، أي بتسهيل نجاح المسلسل الديمقراطي.
 
وعلى صعيد آخر، تتوزع مساهمات المساري، الذي ازداد سنة 1936، على مجالات متنوعة ما بين الكتابة الصحفية، والإنتاج الأدبي والتأريخ السياسي والميدان الدبلوماسي وعلاقات المغرب الخارجية، خاصة مع البلدان الناطقة باللغة الإسبانية. كما تقلد مسؤوليات كثيرة لكن أهمها، يظل اضطلاعه بمهام رئاسة ومدير تحرير صحيفة "العلم"، أم الجرائد المغربية، والكتابة العامة للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي تحمل مسؤولية قيادتها ما بين 1993 و1998، باعتباره أول صحافي يتولى هذه المهمة، في الوقت الذي كانت هذه المنظمة، نقابة للمديرين، منذ تأسيسها في 25 يناير 1963. وقبل ذلك، انتخب رئيسا لاتحاد كتاب المغرب ثلاث مرات في سنوات 1964 و1969 و1972. وعين وزيرا للإعلام، في النسخة الأولى من حكومة التناوب ما بين مارس 1998 وشتنبر 2000، وكان أيضا رئيسا للفريق البرلماني لحزب الاستقلال من 1984 إلى 1992، وسفيرا للمغرب بالبرازيل.
 
لقد كان المساري كاتبا صحفيا بامتياز، ودافع وبقناعة وبدون مواربة على أنه بدون إصلاح قطاع الإعلام وتوسيع هوامش حرية الصحافة، لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة بأوجهها المتعددة. وكانت بصماته قيد حياته، ماثلة للعيان في مختلف محطات تنظيم مهنة الصحافة ومسار تشريعات الإعلام. فخلال تحمله حقيبة وزارة الاتصال، قدم العربي المساري، المشهود بإيمانه باستقلالية الصحافة والعمل الصحفي رغم التزامه السياسي، مشروعا لإصلاح قطاع الصحافة والإعلام، الميدان الذي أبانت التحولات الراهنة وطنيا ودوليا، صدقية وتوقعات الراحل بخصوص الرهان عليه.
 
وهكذا آمن المساري، قيد حياته، بأن التغيير في الإعلام، ينطلق من مصالحة المواطنات والمواطنين مع إعلامهم، وهي معركة مهنية، مازالت مفتوحة في هذه المرحلة الحاسمة والمفصلية من تاريخ المغرب، ويزيد من أهميته ما يعتمل من متغيرات وتحديات نتيجة الثورة الرقمية...
 
كما دعا المساري، قيد حياته، إلى تأسيس مقاولات إعلامية عصرية، قادرة على إشباع حاجيات القراء والمستمعين والمشاهدين في مجال الإخبار والتثقيف والترفيه، حتى يتمكن الرأي العام من التفاعل مع بيئته ومحيطه، فعدم القيام بالتغيير المنشود، سيؤدى حتما إلي إهداء جمهورنا إلى الإعلام الوافد عبر الأقمار الصناعية، حيث لن نجد من يستهلك المادة المحلية.
 
فالتأسيس لإعلام متحرر ديناميكى معانق للواقع، هو الكفيل بتجنيب البلاد من الكوارث التي نراها صباح مساء هنا وهناك، فالأفضل أن يتحاور المغاربة في الندوات التلفزيونية المفتوحة والمباشرة حول مشاكلهم، خير من أن يتحاوروا بالسكاكين والكلاشينكوف، وتطوير صناعة إعلامية، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم استيعاب كل حلقات إنتاج المنبر الإعلامي ابتداء بالعنصر البشرى الذى يتطلب تكوينا مستمرا، مع ضمان الحد الأدنى من الكرامة المادية، والتوجه إلى القارئ والمستمع والمشاهد كمستهلك لمادة ثقافية، حسب المساري.
 
إذ إن الإعلامي المسلح بالكفاءة المهنية والنزاهة الفكرية، يمكن ان تكون له مساهمة رئيسة في بلورة ثقافة جديدة في مغرب جديد ناهض ومؤهل لربح رهان المستقبل، وهو ما يتطلب، حسب المساري، أن يأتي الشباب إلى مهنة الصحافة وهم واثقون من أنها تضمن لهم عيشا كريما ومستقبلا مضمونا.
 
كما أن المسارى، الذى كان عضوا بلجنة تحكيم جائزة اليونيسكو لحرية الصحافة "غيير كانو" ما بين سنوات 2002 و2004، راهن من جهة أخرى على عنصر الثقافة في تأهيل الصحافة والإعلام والانفتاح على التجارب الدولية الرائدة، خاصة على المستوى المتوسطي.
 
وأثبتت التحولات في الإعلام المغربي، على ضوء الثورة التكنولوجية، أن الحاجة مازالت قائمة لاستعادة أفكار العربي المساري والقيم التي ناضل من أجلها. فتصوراته، مازالت تُسائل كافة مكونات المشهد الإعلامي والصحفي، وتطرح أيضا على المسؤولين وأصحاب القرار، من سلطات عمومية وهيئات سياسية ونقابية ومدنية وأكاديمية، الإيمان بأن النهوض بالإعلام يظل رهينا بعصرنة وسائل الإعلام وضمان استقلاليتها المهنية والتحريرية، حتى تتمكن من صناعة رأي عام وطني قادر على مواجهات مختلف التحديات.
 
وسيكون من المفيد، بمناسبة هذه الذكرى، اتخاذ مبادرات من شأنها إعادة الاعتبار للتراث الذي خلفه المساري في الإعلام والصحافة، خاصة بعدما استكمل أرشيف المغرب، معالجة وجرد رصيده الذي يشمل 430 علبة أرشيف (حوالي 50 مترا)، ونشر فهرسة هذا الرصيد على موقع هذه المؤسسة، وكذا إعادة تنشيط "كرسي العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال"، التابع للمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، وذلك وفاء لرجل كرّس حياته للدفاع عن حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة، وخدمة لرسالتها النبيلة، كما قالت منى المساري السنة الماضية بالرباط، بمناسبة الذكرى السادسة على رحيل والدها الذي كان متابعا يقظا لمختلف التحولات التي تشهدها وسائل الإعلام، ويرجع له الفضل في إقرار أول ميثاق لأخلاقيات مهنة الصحافة، كما أفاد يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة ورئيس الاتحاد الدولي للصحافيين خلال المناسبة ذاتها.