الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
وزيرة الخارجية الإسبانية ونظيرها الجزائري

إسبانيا تتجه إلى خلق حلف استعماري أوروبي قاري غير مسبوق

 
محمد نجيب كومينة
 
 
هل تجر إسبانيا بلدان الاتحاد الأوروبي كلها وبمختلف قواها السياسية الممثلة في البرلمان الأوروبي إلى تكوين حلف استعماري؟
 
يبدو السؤال غريبا بعض الشيء للوهلة الأولى، لأن الدول الأوروبية المستعمرة سابقا خرجت من مستعمراتها السابقة بعد قرار الأمم المتحدة بإنهاء الاستعمار، وبعد مقاومات الشعوب من أجل تحررها، والدول غير المستعمرة كانت مع القرار الأممي، بحيث لا يوجد استعمار مباشر اليوم في إفريقيا إلا الاستعمار الإسباني لسبتة ومليلية، ويمكن إضافة جزيرة لاغيونيون الخاضعة لفرنسا والتي تعتبرها مدغشقر امتدادا ترابيا لها.
 
المسعى الإسباني يستهدف: -إقحام المؤسسة الأوروبية الأمنية المكلفة بالحدود "فرونتكس" لوضعها وجها لوجه مع المغرب للضغط عليه للعب دور دركي الهجرة والقبول بالأمر الواقع الاستعماري، ولفرض وإدخال سبتة ومليلية المحتلتين إلى المجال المشمول باتفاقية شنغن
 
لكن الغرابة تزول بعد التوصية الصادرة عن البرلمان الأوروبي، التي كانت غايتها الأولى نيل تزكية هذه المؤسسة لأول مرة بشكل صريح لاحتلال الثغرين المغربيين سبتة ومليلية من طرف إسبانيا. والآن، يأتي تداول وسائل الإعلام الإسبانية أخبارا عن مسعى إسباني لإقحام المؤسسة الأوروبية الأمنية المكلفة بالحدود "فرونتكس" في حماية ذلك الاحتلال بإشراكها في مراقبة الحدود ووضعها وجها لوجه مع المغرب للضغط عليه للعب دور دركي الهجرة، والقبول بالأمر الواقع الاستعماري، في نفس الآن، من جهة، وفرض وإدخال سبتة ومليلية المحتلتين إلى المجال المشمول باتفاقية شنغن ذات الطابع الأمني الشاملة لبعض الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من جهة ثانية.
 
ذلك أن إسبانيا، بمساندة صريحة وفعالة من طرف الجزائر وديبلوماسيتها، تتجه الآن إلى خلق حلف استعماري أوروبي قاري غير مسبوق، وربما شكلت التوصية التي صوتت عليها قوى أوروبية مختلفة إيديولوجيا، تمتد من اليمين المتطرف إلى الخضر، امتحانا للاستعدادات، وهي استعدادات غير مؤكدة إذ إن التحرك السريع لإسبانيا والتحرك الموازي للديبلوماسية والمخابرات الجزائرية وأذنابهما، والترويج للكثير من الأكاذيب، كانت عناصر سمحت بتوريط البعض في التصويت على توصية غطت على العمق بالهجرة غير النظامية التي تُفزع مجتمعات أوروبية شائخة، ولو أثير الاحتلال لكان التصدع سريعا، خصوصا وأن المغرب يستطيع أن يعبئ من حوله إفريقيا والعالم العربي والإسلامي، وربما دولا أخرى من خارج هذه الدوائر متى استدعى الأمر ذلك، لأن الاستعمار الإسباني عتيق جدا وتلعب ضده الجغرافيا وكذلك التاريخ الذي يحضر في اسمي المدينتين المغربيتين المحتلتين...
 
في أوروبا اليوم نزعة عنصرية متعاظمة يعبر عنها يمين متطرف متوسع الحضور ومتضامن، ويجر إليه رويدا رويدا قوى اليمين الحكومي، وحتى بعض أطراف اليسار الباحثة عن مخرج مما تعيشه من ضعف وانعزال
 
غير أن هذا لا يمنع من القول إن في أوروبا اليوم نزعة عنصرية متعاظمة يعبر عنها يمين متطرف متوسع الحضور ومتضامن، ويجر إليه رويدا رويدا قوى اليمين الحكومي، وحتى بعض أطراف اليسار الباحثة عن مخرج من حالة الضعف والانعزال، إذ في هذه القوى من ينظر إلى المغرب نظرة ريبة، بما في ذلك في فرنسا، نتيجة تحول المغرب إلى منافس في إفريقيا، وأيضا نتيجة تجديده لتحالفاته مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بعد البريكسيت وغيرها، وأيضا باعتباره جارا مسلما كان له حضور في التاريخ الأوروبي وكانت البلدان الأوروبية تتودد له بعد معركة وادي المخازن والجهاد البحري إلى أن ظهر ضعفه في معركة إيسلي لإغاثة الأمير عبد القادر.
 
وإذا ما اتجهت إسبانيا إلى تنفيذ ما راج في صحافتها، التي اكتشفنا أنها ليست كلها بالاستقلالية التي كنا نعتقد، وليست ممنّعة ضد العداء البدائي للمغرب، فإنه يبقى مطلوبا التصدي بحزم لذلك، وجعل إنهاء الاستعمار قضية يومية في الساحة الأوروبية عبر تحركات وفعاليات مدنية وحزبية وبرلمانية وحكومية...
 
الجزائر هي من دفعت بإسبانيا إلى إخراج عدائها الدفين للمغرب، وأنها من تقوم باستغلال سذاجة الحكومة الإسبانية عبر الدفع بها إلى المزيد من التصعيد والممارسات الاستعمارية، والجنرالات مستعدون لتجويع الشعب الجزائري وتخصيص كل موارد بلادهم إذا كانت ستضر المغرب
 
هذه التحركات هي، أيضا، مسألة مطروحة في المنظمات العربية والإسلامية والإفريقية والدولية، ومن شأن تحركات عقلانية ومدروسة، وبمنأى عن الإعلام الضار، أن تربك كل حسابات إسبانيا، وأن تجعل الاتحاد الأوروبي يتريث في مناصرتها ضد الشريك المغربي وفي إفساد كل سياسة الجوار المتوسطي التي كانت تراهن على المغرب لإنجاحها.
 
لكن ما يجب الانتباه إليه هو أن الجزائر هي من دفعت بإسبانيا إلى إخراج عدائها الدفين للمغرب، وأنها من تقوم باستغلال سذاجة الحكومة الإسبانية عبر الدفع بها، وبالأخص بواسطة وزيرة خارجيتها، إلى المزيد من التصعيد والممارسات الاستعمارية، والجنرالات مستعدون لتجويع الشعب الجزائري إذا راوا أن تخصيص كل موارد بلادهم يمكن أن يضعف المغرب ويلحق به الضرر...
 
جنرالات الجزائر يعملون على عدة واجهات لإلحاق الأذى بالمغرب ولا يدخرون جهدا للعمل على سحب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وجعل أوروبا على الخصوص في خصومة مع المغرب، لذلك وجب التركيز على إحباط مسعاهم وفضحهم أمام العالم
 
ويجب الانتباه، في الوقت نفسه، إلى أن جنرالات الجزائر، إذ يعتقدون أن الأزمة مع إسبانيا قد ألهت المغرب ديبلوماسيا، فإنهم يحاولون العمل على واجهات أخرى لإلحاق الأذى به، وهم إلى اليوم لا يدخرون جهدا للعمل على سحب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء واسترجاع ما ضاع منهم في إفريقيا وغيرها وجعل أوروبا على الخصوص في خصومة مع المغرب، لذلك وجب التركيز على إحباط مسعاهم وفضحهم أمام العالم...
 
وهذه المعارك، بقدر ما تتطلب تعبئة كل الطاقات، فإنها تتطلب أيضا تقوية الجبهة الداخلية وزرع الأمل في المستقبل باتخاذ الخطوات الواجب اتخاذها والشروع في الإصلاحات المطلوبة بجدية وانتظام...