الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

معاها تحْلَى "سبع خضاري" و"تصابونت" و"التشيشة".. "اللْيالي" وطقوس أربعينية البرد القارس

 
إعداد: عبد اللطيف الجعفري
 
 
في الحياة المغربية، وحتى متخيل الناس، ارتبطت كلمة "اللْيالي" أو "أربعينية فصل الشتاء"، بقساوة البرد، وطقوس وعادات وممارسات كان لها ألقها وسحرها في الماضي، لكنها بدأت حاليا في التدحرج تدريجيا صوب خانة النسيان أو التناسي، في ظل التحولات الكبيرة الحالية التي تغطي مختلف المجالات.
 
في الأمس القريب، كانت "اللْيالي" معروفة على نطاق واسع، كمفهوم حاضر بقوة في أذهان الناس، وظاهرة مناخية قاسية، وفترة زمنية تؤسس لممارسات وطقوس لها صلة بالحياة الاجتماعية والفلاحية للناس، وهو ما لم يعد موجودا حاليا بنفس الوهج، الذي يجمع بين مواجهة قسوة المناخ، والانخراط في نهج يضمن للحياة دفئها واستمراريتها.
 
"الليالي"، التي تبدأ يوم 25 دجنبر من كل عام، وتنتهي في اليوم الثاني من شهر فبراير، تفرض إكراهات كثيرة بشأن الحفاظ على صحة الناس ومنتوجاتهم الزراعية وثروتهم الحيوانية، ولذك يتم التعاطي مع طقسها البارد بطرق مختلفة.
 
ومادام الأمر كذلك، فإن الفلاحين، الذين يضبطون بعض أنشطتهم على توقيت هذه الفترة القاسية من السنة، يستعدون جيدا للطقس البارد الذي يقض مضجع الجميع خلال فترة "اللْيالي"، فهم يدركون أن هذه الأخيرة قد تشكل خطرا على مزروعاتهم وثروتهم الحيوانية.. لذلك يكون الحذر واجبا، والوقاية خير من العلاج الذي لا ينفع.
 
المعطى الذي يمكن استنتاجه، هو أن طقوس وعادات "اللْيالي"، التي تكاد ترتقي حاليا لمستوى الموروث الاجتماعي والفلاحي والثقافي، مرتبطة أشد الارتباط بأجيال ما قبل الثورة الرقمية، لأن هؤلاء من يعرفون جيدا شعاب هذه الفترة من السنة ،الظاهرة منها والخفية.
 
فوجود فئات اجتماعية لها صلة، بالفلاحة في السهول، أو بالمجالات الجبلية أو الصحراوية، يساهم في ضمان استمرارية بعض الممارسات الفلاحية التقليدية، وحتى الطقوس والعادات الاجتماعية والثقافية، من ذلك الاحتفاء بنصف "اللْيالي"، بعد مرور 20 يوما منها، حيث يحل رأس السنة الفلاحية (الموافق ليوم 13 يناير من السنة الميلادية).
 
في هذه الفترة بالضبط، يتم تحضير وجبات خاصة احتفاء بالسنة الفلاحية، تختلف من منطقة لأخرى، حيث يحضر، مثلا، في مناطق الجنوب الشرقي، "كسكس سبع خضاري"، الذي يزين بـ7 أنواع من الخضر واللحم، وهو ما أسر به لوكالة المغرب العربي للأنباء، عبد الكريم اليوسي (باحث في التراث المحلي بزاكورة)، الذي أشار إلى أن جسم الإنسان يحتاج إلى مأكولات ساخنة بالليل، كلما أزفت "اللْيالي"، ولهذا السبب فإن النساء بزاكورة يستعدن خلال هذه الفترة لتهييء لوازم الأكلة المحلية الشهيرة "سبع خضاري".
 
وبعد أن لفت إلى أن رقم سبعة في حد ذاته، له دلالته العميقة، التي قد تحيل إلى أيام الأسبوع أو سبع سماوات، قال عبد الكريم اليوسي إن الأهم في العملية برمتها هو أن هذه الأكلة، التي تضم جميع الخضر الشتوية، وحتى الصيفية المخزنة بعناية فائقة، تعد داخل قدر طيني تقليدي، وهي وجبة ليلية محلية قارة بامتياز لأغلب الأسر، حيث تجتمع العائلة ليلا بعد شرب الشاي المنسّم بالشيبة.
 
وأضاف عبد الكريم اليوسي أن الأمر لا يتعلق فقط بطهي الكسكس من أجل الأكل، ولكن بلحظة فريدة لتكريس التضامن والتآزر، حيث يتم تبادل الخضر بين الناس، ومنحها لمن لا تتوفر لديه في جو احتفالي مطبوع بالفرح.
 
ولفت باحث في التراث المحلي إلى أن الحرص على طهي "كسكس سبع خضاري"، ما يزال حاضرا في قرى الجنوب الشرقي، لكن بشكل أقل من السابق، مشيرا إلى أن من أهم لحظات أكل هذا الكسكس هو أجواء الفرح التي تصاحبه، حيث تضع النساء داخل ثناياه مفتاحا صغيرا يدس بعناية فائقة في أحد الخضر، والذي سيعثر عليه أثناء الأكل، هو الذي تسند له مهمة تسيير شؤون الأسرة لمدة سنة كاملة (المقصود الأسر الممتدة وليست النووية).
 
وفي سياق متصل، لفت عبد الكريم اليوسي إلى أن الاستعداد لـ"اللْيالي" محليا وبردها القارس له طعم خاص، حيث لا يكتفي أهل المنطقة بالألبسة من جلابيب وعمامات ومعاطف صوفية، التي تحمي الجسم من لسعات البرد، بل تفتقت عبقرية المرأة الزاكورية بتهييء مشروب فريد يطلق عليه "تصابونت"، والذي يعطي طاقة منعشة للجسم لما يحتويه من أعشاب صحراوية ممزوجة بعجينة التمور.
 
وتبقى الإشارة إلى أنه في مناطق أخرى، يتم تحضير أكلات أخرى بالمناسبة منها، الدجاج ونوع من العصيدة تدعى "التشيشة" (عصيدة القمح تطهى بالحليب والعسل). كما يتم استهلاك بعض الفواكه الجافة.
 
وبالنظر لمكانة "اللْيالي" في متخيل المغاربة وحياتهم، فقد نسجت بشأنها أمثال عديدة، منها "الليالي المسعودة تنزل الشتا بالليل والنهار مفقودة"، أي أن هطول المطر ليلا يسمح للفلاح بالعمل نهارا.
 
ثم "إيلا رواتْ فالليالي عوّل على السمن بلقلالي"، ومعنى ذلك أن سقوط الأمطار بغزارة في هذه الفترة يسمح بتوفير العشب بكثافة في الحقول، وهو ما يمكن قطيع الأبقار من أكل وفير، يساهم في توفير الحليب ومشتقاته كالسمن الذي كان يوضع في القلة المصنوعة من الطين.
 
ثم "ما تفرح بالمعيز أو الخرفان حتى يخرج الليالي وحيان"، أي أن سلامة قطيع الغنم والماعز والبقر رهين بخروج البرد القارس الذي يطبع "اللْيالي"، حيث يتعين قبل ذلك العناية بالقطيع في الحظائر حتى تحل فترة الدفء.
 
وتجدر الإشارة إلى أن القدماء أطلقوا على أربعينية فصل الشتاء عدة أسماء، حسب ترتيب زمني دقيق:
 
♦ "اللْيالي البيضاء"، مدتها 20 يوماً، إذ يشتد فيها البرد وتكثر فيها العواصف، وتنقسم هذه الفترة إلى ما يسمى "الكوالح" (تبدأ يوم 25 دجنبر وتنتهى يوم 3 يناير)، ثم تليها ما يسمى "الطوالح" (تبدأ من 4 يناير وتنتهى مساء يوم 13 يناير).
 
♦ "اللْيالي السوداء".. مدتها 20 يوما، وسميت بهذا الاسم لأن لياليها عادة ما تكون شديدة البرودة. وتنقسم بدوها إلى ما يطلق عليه "الموالح" (تبدأ صباح يوم 14 يناير وتنتهى مساء يوم 23 يناير)، ثم "الصوالح" (تبدأ صباح يوم 24 يناير وتنتهى مساء يوم 2 فبراير).