الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك الراحل الحسن الثاني

الملك المُتَنَكِّرْ.. الحسن الثاني يُغَيّر ملامحه ويرتدي "ترازة وشورت وصندالة" ويُقَلَّ بدويا بـ"الأوطوسطوب"

 
حسن عين الحياة
 
ظل الملك الراحل الحسن الثاني طيلة فترة حكمه شخصا ميالا إلى قضاء أوقات فراغه في كل ما قد يرفه عنه أو يخفف عنه عبء الحكم، ذلك أنه، بحسب الدكتور سعيد هبال، صاحب كتاب "أصدقاء الملك"، قد يغادر قصره بسرعة لتجده في سوق شعبي، متنكرا وهو يجس بعض الناس البسطاء حول الحياة أمور معينة يريد معرفة كيف ينظر إليها العامة، أو يستقل سيارة أجرة ويحدث صاحبها دون أن يطلعه على هويته، بل الأدهى من ذلك، قد يحج إلى حديقة شعبية متنكراً ويقف كـ "أيها الناس" للتفرج على "صحاب كارطة"، أو يفاجئ بعض المؤسسات العمومية، كما حدث ذات مرة مع مؤسسة "المكتب المستقل لتوزيع الماء والكهرباء "لاراض"" بالدار البيضاء، حيث توجه إلى قسم الشكايات دون أن يعرفه أحد، موجها لومه للمسؤولين عليه "عندي فاكتورة.. الما والضو كايجيني غالي..". الأكثر من ذلك، يقول هبال، كان الملك ذات يوم بمدينة الجديدة متجولا بمفرده عبر سيارته، فانتبه إلى وجود رجل بدوي يتحدر من المنطقة يقوم بعملية "أوطوسطوب"، فما كان من الحسن الثاني إلا أن توقف له، وأركبه معه في سيارته دون أن يعرف بأنه يجلس إلى جانب ملك تقوم الدنيا ولا تقعد في حضرته.
خلال مسافة الطريق، يقول هبال، سأل الحسن الثاني الرجل عن وجهته، ليجيبه البدوي بأنه يقضي الوقت كله ذهابا وإيابا إلى مدينة الرباط، بشأن قضية تتعلق بأرضه التي اغتُصبت منه، وقال له أيضا بأن هذه القضية لم تراوح مكانها لسنوات طويلة دون أن تعرف طريقا للحل.. فوجئ الملك آنذاك، ثم سأل البدوي: "وهاذ القضية ما ربحتيها في المحاكم ما والو". فأجاب البدوي: "راني مِداعي مع واحد (الكرايدي فالميليتير)، وأنا ما عندي ليه جهد.."، أوصل الملك البدوي إلى الرباط دون أن يعرف أنه الحسن الثاني، حيث كان الملك آنذاك حسب هبال، وفق ما حكاه له البدوي شخصيا، تطبع سحنته سمرة البحر.. يرتدي قبعة بدوية (ترازة) ونظرات سوداء وقميص عسكري و"شورت" وصندل جلدي ، الأمر الذي يستحيل معه اكتشاف هويته.
عندما وصل الملك إلى الرباط قادما إليها من مدينة الجديدة، طلب من البدوي أن يمده ببعض المعلومات عنه وكذا عنوانه، مخبراً إياه أن بإمكانه مساعدته، فأجابه البدوي: "عاونوني حتى الناس للي صَحْ منك بقا غير أنت.. قول ليا شحال حسبتي عليا باش نخلصك؟"، فرد الحسن الثاني (المتنكر): "أنا ركبتك فابور.. غير عطيني المعلومات ديالك.. علاش بغيتي تْبَعَّد علي عمل الخير"، ساعتها قال البدوي جازما: "ما كينش فهاذ البلاد للي يعاونك.. كاين غير للي يدي ليك ديالك"، مضيفا "لو طلبت مني مالا لحل القضية لقلت بأن هناك إمكانية للحل لكن (حاجة فابور بلا ماتدوي معايا عليها)"، وكان الحسن الثاني يضحك بشدة من ردة فعل البدوي، وقد استمر النقاش بينهما إلى أن تمكن من أخذ بعض المعلومات عنه.
وحسب هبال، مرت مدة معينة لتيفاجئ البدوي وهو قابع في منزله بنواحي مدينة الجديدة بسيارة سوداء تقف على مشارف بيته، نزل منها أشخاص لم يسبق له رؤيتهم.. منحوه بلغة وجلبابا وسلهاما أيضا وكان أن تحركت كل السلطات المدينة آنذاك لهذا الحدث، صدم البدوي لهذه الحركية غير المعهودة في منطقته ولما استفسر مذعورا عن الأمر، أخبروه بأن الملك الحسن الثاني يريده شخصيا، آنذاك ارتعدت فرائصه وكادت روحه تزهق من شدة الفزع..
عندما وصل البدوي إلى القصر الملكي بالرباط، لم يتمالك نفسه إلا وهو يستلقي على قدمي الراحل الحسن الثاني، كان خائفا ومستغربا في الوقت نفسه، يقول هبال، قبل أن يضيف أن الملك أوقف ضيفه، وطمأنه، وسأله في محاولة للتخفيف من هول دهشته: "مالك؟" فأجابه البدوي: "نعام سيدي أنا راه ما داير والو.. أنا آش درت" فأجابه الملك وهو يغالب ضحكته: "علاه أنا كايجيبو ليا غير للي داير شي حاجة.." ثم سأله أين وصل مشكل أرضه، ليرد الضيف "إين أرض..؟"، مستغربا في الوقت نفسه، كيف وصلت معلومة شخصية إلى حضرة ملك البلاد، آنذاك أخبره الحسن الثاني بأنه الشخص نفسه الذي سبق أن ركب معه في سيارته من مدينة الجديدة إلى العاصمة الرباط، وما إن أكمل الملك حديثه حتى أصيب الرجل بالهديان، إذ كاد يجن من هول المفاجأة، ساعتها طمأنه الحسن الثاني بعودة أرضه إليه، كما أكرمه ببعض المال ومكنه من أداء مناسك الحج، يقول هبال.