الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك الراحل الحسن الثاني في حديث مع محمود الإدريسي وفي اليمين يظهر رفقة ولي العهد آنذاك الأمير سيدي محمد

ها علاش الحسن الثاني طرد محمود الإدريسي من القصر وكيفاش سمح ليه مللي هَبْلاتو أغنية "يا بلادي عيشي"

 
حسن عين الحياة
 
بعدما كان يغني ضمن المجموعة الصوتية (الكورال) التابعة لدار الإذاعة والتلفزة وعمره لا يتجاوز 19 سنة، تمكن الفنان محمود الإدريسي من دخول القصر الملكي بالرباط، دون أن يلتقي الملك الراحل الحسن الثاني، لكن حلمه في لقاء الملك ظل يراوده إلى أن أتيحت له الفرصة سنة 1970، وهو يؤدي أمامه بالقصر أغنية دينية، من تلحين الفنان الكبير المرحوم صالح الشرقي، لكن رغم ذلك لم يتمكن الإدريسي من تحقيق رغبته القوية والملحة في لقاء الملك مباشرة، رغم استحسانه لأغانيه.
ظل محمود الإدريسي، الذي وافته المنية قبل أيام، يتردّد على دار المخزن، حسب تعبيره، مع المجموعة الصوتية دون تحقيق رغبته في لقاء ملك كان صديقا للفناين، لكن عندما أدى أغنية وطنية، فتحت له الباب للقاء الحسن الثاني، وهي اللحظة التي انتظرها محمود الإدريسي لسنوات.. ولما ابتسم له الحظ، وحقق حلمه في لقاء الحسن الثاني، لم يحسن التصرف أمامه، خاصة بعدما اختلطت في دواخله الفرحة بالدهشة والخوف.
يقول الإدريسي، في حديث سابق لي معه: "عندما انتهيت من أداء أغنيتي، ارتبكت، خاصة عندما بدأ يتحدث معي الملك، فأدخلت يدي في جيب سروالي وأنا أتحدث معه، فقال لي بانفعال: "أخرج يديك من جيبك".. إذ لم يعجبه سلوكي الذي اعتبره جلالته "قلة التربية"، ذلك أنه أكد على منظمي هذه اللقاءات الفنية، خاصة السي أحمد البيضاوي، بأن يعلموا هؤلاء الشباب مبادئ وبروتوكول المثول بين يدي الملك، وكيفية التعامل مع مثل هذه المناسبات. وأردف الملك موجها كلامه بحدة وغضب (واش أنا كانهضر مع السيد وهو داير يدو في جيبو.. ما تبقاوش تجيبو ليا بحال هذا الناس)". وما إن أنهى الحسن الثاني كلامه حتى أحس محمود الإدريسي بالخيبة وهو الذي جاهد واجتهد من أجل لقاء الملك، حيث اعتقد، منذ ذلك الحين، أن هذه الفرصة لن تعوض مرة أخرى.
أمام هذا التذمر والخيبة، وجد الإدريسي من يخفف عنه، وهو الفنان محمد بن عبد السلام الذي كان قد تدخل ساعة تأنيب الملك له، حيث أركبه سيارته الخاصة، وما إن غادرا قصر الصخيرات ليلا، حتى طلب أن ينسى ما جرى في هذه الليلة مع الملك. وقال له "الآن يجب عليك أن تفكر في مستقبلك الفني، واترك الباقي لي.. سوف أعدّ لك أغنية تفتح لك باب القصر من جديد".
مرت شهور قليلة على هذا الحادث، ليلحن محمد بن عبد السلام أغنية من كلمات علي الحداني تحمل عنوان "يا بلادي عيشي"، وقد أعدها الملحن كي يؤديها الإدريسي في عيد الشباب، ولما انتهى هذا الثنائي من إعدادها، أخذت الإذاعة الوطنية سنة 1970 في إشهارها. وصادف ذلك قيام الإدريسي بجولة فنية على الصعيد الوطني. كانت المحطة آنذاك هي مدينة وجدة، وكان صاحب أغنية "ساعة سعيدة" على موعد مع سهرة فنية أمام الجمهور الوجدي.
وبينما يستعد الإدريسي للسهرة، جاء من يناديه للرد على مكالمة خاصة. ولما توجه إلى مكان الهاتف وحمل السماعة، كان الطرف الآخر يحمل إليه البشرى: "خاصك تكون اليوم في القصر الملكي بالصخيرات مع السادسة مساء، باغيك سيدنا".
لم يصدق الإدريسي الأمر، لكن ما إن حكى تفاصيل المكالمة لبنعبد السلام، حتى أكد له صحة ما سمعه، خاصة بعدما ربط بن عبد السلام بدوره الاتصال بالقصر للتأكد من صحة الأمر.
وحسب الإدريسي، لم تخلُ العودة إلى القصر الملكي من طرائف، لقد طلبوا منهما التوجه إلى القصر والحضور على الساعة السادسة مساء، وهي فرصة كان ينتظرها الإدريسي بفارغ الصبر، لكن العودة من وجدة إلى الصخيرات تتطلب يوما كاملا عبر السيارة، لذلك عادا مسرعين من وجدة حتى وصلا مدينة فاس، لتتعطل بهما السيارة، "اتجهنا إلى أقرب ميكانيكي، غير أن إصلاحها تطلب وقتا طويلا، بحيث لم ندخل الصخيرات إلا مع حوالي الساعة الحادية عشر ليلا" يقول إدريسي، قبل أن يضيف "مازلت أذكر أننا غيرنا ملابسنا داخل السيارة، وأخذنا المسؤولين عن الأمن إلى دار المخزن، ولما صعدنا الدرج وجدنا صاحب الجلالة واقفا وهو يقول "فاين هما هاذ الناس ديال وجدة.. باقين ما وصلوش؟". دخلنا وسلمنا عليه، وخاطبني قائلا "آخويا هاذ الأغنية ديالك (يا بلادي عيشي) راها بغات تهبّلني.. لقد حاولت تسجيلها من الراديو، لكن الإشهار الذي يتخللها منعني من ذلك.. المهم ارتاحوا الآن وغسلوا وجوهكم" يقول الإدريسي.
وبحسب الدكتور سعيد هبال، صاحب كتاب "أصدقاء ملك"، لما غنى الإدريسي أغنيته، قال له الحسن الثاني، "لقد كانت عندي قطعة "حبيب الجماهير" الأغنية المفضلة، والآن أضفت إليها "يا بلادي عيشي"، ذلك أنه منذ تلك اللحظة عادت أبواب القصر لتفتح من جديد أمام الإدريسي بعد واقعة الجيب.